إبداع

أرملة مومباسا

ضاعت حقوق (كيتساوا) بين الحظر والحكومة

حبيب درويش
Latest posts by حبيب درويش (see all)
(كيتساوا) امرأة كينية في عقدها الثالث، ترى نارها من بعيد وهي تشتعل، عليها قدرًا تغلي، تسكن زاوية منعزلة عن الناس، تراقب كعادتها قدرها وعيناها لا تفارق أبناءها الثمان الصغار وهم يغوصون في النوم بعد طول انتظار، وقد بلغ منهم الجهد والجوع، لم يمنعهم من النوم لكن منع أمّهم عن الهجوع.
أي طعام هو بهذا القدر؟
مجرد ماء وبعض الحصى تُشاغلهم به،ليظنّوا أنّه طعام لهم.
كانت المسكينة قبل أن تحُلّ جائحة كورونا تعمل في غسل الملابس بالقرب من منطقة سكنها، أمّا اليوم فلم يعد أحد يطلب خدماتها خوفًا من الوباء الذي هزّ عرش أسياد العالم.

(كيتساوا) عودة قصة المرأة الأرملة

يبدو مشهدها أمام قدرها المُفحّم يعيد إلينا قصّة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- والمرأة الأرملة وأبنائها الثلاث وقد انشغل الناس عنها ولم يُبلّغ ذلك عمر، وها هو المشهد نفسه يتكرر اليوم في زمن كورونا وفي غيره، بكينيا وببلدان فقيرة كثيرة جدًا، في ظلّ تفشي هذا الفيروس الشبح، وانشغال الناس هنا ببلدة (مومباسا) بأنفسهم وانشغال الحكومة الكينية بهم لأنهم لا يحترمون قرار حظر التجوال، بل هم قوم لا يخافون حتى من الشرطة، وقد ضاعت حقوق (كيتساوا) وأبناءها بين هذا وذاك.
قرّرت الحكومة في الأخير تبعًا لعقلية المجتمع هنا أن تستعين بزعيم قبيلة -الماساي- الشّرسة لتطبيق حظر التجوال بعد أن فشلت الشرطة تمامًا، لينتشر رجال الماساي الأقوياء داخل الشوارع والأحياء مُرغمين أهلها على دخول بيوتهم بالعصى الطويلة وبلا رحمة أو استثناء، وفعلًا لم يبقَ أحد بالخارج خوفًا من بطش هؤلاء الرجال حتى توقّف أحدهم كأسد هائج أمام نار (كيتساوا) ودخانها الكثيف، ومن حولها أبناءها المستيقظين من الجوع، يريد ضربها لتدخل بيتها كبقية جيرانها،لكنّه ارتبك وتراجع..
فقرّر أن يسألها لِما هي هنا بهذه الساعة غير آبهة بتحذيراتهم وبطشهم!
حكت له قصّتها فبكى،كانت تلك أوّل مرّة يبكي فيها رجل من الماساي، رجع مسرعًا إلى زعيمه يخبره أنّه وبقية الرجال لن يعملوا على قمع هؤلاء الناس وفيهم جياع، حكى له ما رآه من المرأة، لينتشر الخبر كالنار في الهشيم، حتى وصل الإعلام والناس.
فتهاطلت على (كيتساو) المساعدات من كل جهة فأجهشت بالبكاء، حتى أنّها وصفت ذلك التضامن بالمعجزة، فهي لم تكن تعتقد أن يكون الكينيين بهذا السخاء واللطف!
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى