إبداع

«أسامة إبراهيم» يصيب الهدف بلغة مكثفة

مزيج من الواقعية والخيال وإثارة عواطف الحزن والفرح

خالد مهدي الشمري
«الكمامة الزرقاء» مجموعة قصصية جديدة للقاص والروائي أسامة إبراهيم، والتي صدرت عن دار النخبة في القاهرة وضمت خمسة عشر قصة.
 تناول الكاتب موضوع الساعة وما يدور في العالم من موت مستخدمًا الواقعية والبساطة في معالجة القضايا المجتمعية وما يدور داخل منازلنا وحتى في الشارع، متخذًا الدلالات الرمزية أسلوبًا مزج به بين الفكرة العامة والخاصة.
لدى القاص اتجاه ما يريد وضعه تحت التحليل والنقد وكذلك معالجة المشكلة التي يطرحها تحت مسمى معين يطرح عن طريق حوار أو مجموعة حوارات بأسلوب الراوي أو الراوي العليم.

الواقعية في قصص أسامة إبراهيم

تناول أسامة إبراهيم في قصصه الأمكنة حيث نشاهد عبر صور قصصية الشوارع المهمة في مصر، حواريها وأزقتها .
مما لا شك فيه أن النص صناعة ذاتية تتكون من عناصر معينة تجعل النص متوهجًا جميلًا كله حيوية تجعله سلسًا ومقبولًا لدى القارىء، وكذلك التحليل أو التفكيك أو القراءات النقدية لها جمالية أحيانًا تفوق جمال النص وأحيانًا أخرى تتغلب على النص.
وهو على أنواع كما هي الأمزجة، ويختلف من متلقي إلى آخر من لحظة ولادة النص وهي الحالة الذاتية وصولًا إلى الصورة التي ينتجها، واللفظ والتخيل والفكرة التي يطرحها، وحتى عصارة عواطف التي يبذلها للوصول إلى لب الفكرة، والحالة التي تجعل عواطف المتلقي تتحرك حزنًا أو فرحًا؛ فكلاهما يحركان المتلقي.
كذلك الشعور العاطفي مقومات أساسية يعتمد عليها الكاتب، وهي تتركز في محورين أساسيين هما الشكل والمضمون.
وهنا تتضح العلاقة بين الناقد أو القارىء وبين الكاتب، فلا بد للكاتب من إيجاد طريقة يوصل من خلالها الفكرة إلى القارىء والناقد أو كليهما، وكذلك الناقد أو القارىء حينما يبحث في النص محاولًا اكتشاف الفكرة التي طرحها الكاتب وكلاهما يجمعهما النص.

الوصف الموجز في القصة القصيرة

الوصف في القصة القصيرة يجب أن يكون بإيجاز وهذا الوصف الموجز يجب أن يكون في محله المطلوب، ولا يدعو إلى الملل، وبنفس الوقت لا يدعو إلى الكتابة المبتورة؛ وهذا يخدم اللغة المكثفة للنص كما فعل القاص أسامة إبراهيم في قصصه القصيرة.
استخدم القاص عناوين القصص من واقع نمر به لتواكب الواقعية للقصص وتهتم بما يدور اليوم.
تضمنت المجموعة 15 قصة قصيرة هي: (حظر تجول منزلي، هستيريا، تنفس صناعي، الطبيب الغائب، العالم عام 2120م، لقاء الوداع، عامل يومية، قاهر الفيروسات، عائد من الموت، سقوط مؤذن، حيوانات موبوءة، عزل إجباري، حالة دراسية، سياحة في إيطاليا، وسوسة الموسوس، المريض المتجول، المترو المفيرس وزفاف في العناية المركزة).
(حظر تجول منزلي) قصة تدور أحداثها بين زوجة خائفة على زوجها من المرض خارج البيت ذلك الوباء الذي لا يرحم واخذ يشق طريقه بين الأجساد كالنار في هشيم.
 (أنعام) خائفة وخوفها مبرر ويجب أن نحذو حذوها، والجلوس في البيت يقطع سلسلة انتشار المرض.
بين الروي والموعظة القاص ينتقل إلى عالم السرد الواقعي مع اللغة المشوقة للحدث. كالعديد من الأشخاص كان (سلطان) يعاند ليخرج إلى الشارع، وقد فشلت كل المحاولات التي حاولها للخروج حتى وجد فكرة أن يرشي (وردان) لينام مكانه، لكن أنعام كشفت ما قام به سلطان ليُعاقَب بالضرب المبرح بمكنسة غيرت حاله وشفته من الإدمان والعادات التي كان يرتكبها بنفسه وبيته.
(هستيريا) قصة أخرى تحاكي معظم الشكوك التي يطلقها الناس وعدم الاكتراث، يطرح القاص الفكرة بسرد ممتع وجملة قصصية مشوقة.
الكثيرون اليوم هم مشككون بهذا المرض القادم من العتم والظلام الذي أهلك العديد من البشر، لكننا إلى اليوم نشكك بوجوده.
وضع القاص يده على ما يدور داخل المنازل من عدم اكتراث وعدم اليقين الكامل بما يدور في الشارع والتجمعات وإلى أي مدى يمكن أن يكون هذا الوباء مبيد للشعوب والأمم.

النهايات المفتوحة تعطي انطباع الارتياح

تمتاز القصة عند أسامة إبراهيم بالنفس الواحد والترابط، مع نهايات مفتوحة جميلة تعطي انطباع الارتياح للنتيجة والمضمون.
(تنفس صناعي) أحداثها تدور داخل مستشفى، ورجل تحت جهاز التنفس الصناعي مصاب بالمرض الجديد، وهو أب لتسعة أبناء ينظرون له من خلف الزجاج العازل.
هذه القصة تأخذنا إلى اتجاهين مختلفين، بين الأب الذي يصارع الموت، والطرف الآخر، الأبناء وهم يصارعون الحياة لتكون الخاتمة بموت الأب بالسكتة القلبية دون أن يخبرهم بالوصية التي كانوا ينتظرونها منه.
(الطبيب الغائب) قصة بطلها الشيخ (معروف) إمام الجامع. جعلنا القاص بين أمرين؛ الأول وهي الحياة الدنيا والتي نعيشها وبين الآخرة وهنا جاء دور التضرع لله الواحد الأحد للنجاة من الوباء وكل أمور الدنيا.
والأمر الآخر هي الحياة التي لا نكف عن التمسك بها، ولعل القاص هنا جعل للمساجد دورًا مهمًا؛ ألا وهو الإيمان بالله الواحد، والتصدق سبيل من سبل الإيمان وترك الدنيا بشراء الآخرة.
وحكاية الرجل الذي ينتظر ولده الوحيد الذي تبيَّن أنه مات من أثر المرض ودُفن قرب المستشفى دون أن يعلم أبوه عنه شيء. كان قص مقنع بإضافة الحبكة الدرامية للحكي.
(العالم عام 2120 ) قصة عبَّر بها القاص بدمج الواقع مع الخيال لتصبح تناقح واقعي مضاف له تشويق أدبي وحبكة قاص.
ما يجري في العالم اليوم أقرب إلى ما طرحه القاص في سرده لقصة (العالم عام 2120) كما حوت على نهاية مفتوحة معززًا رصانة السرد بنهاية كلها أمل، ومبشرة بقدوم عالم خالٍ من التلوث، ونحن نريد عالم خالٍ من تلوث عقلي كما نشهده اليوم.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى