إبداع

أسرار تخاطر الأرواح

ما أروع من رزقه الله بروح تشبه روحه تسعى لإسعاده كما يسعى لإسعادها!

سمية الناصر
Latest posts by سمية الناصر (see all)

 أحيانًا نلتقي شخص نشعر بالانجذاب نحوه ولو كان اللقاء الأول، نسأل أنفسنا.. هل التقينا هذا الشخص سابقًا؟ وأحيانًا نجلس يومًا مع أحد الأشخاص لأول مرة ونشعر أننا نعرفه منذ زمن.

فيا ترى هل حصلت معكم هكذا حالات؟ أو هل مررتم بموقف كهذا وأحسستم أن أرواحكم تعلقت بشعور غريب؟ ‏

إن للأرواح قدرة على التخاطر و إدراك خبايا الأنفس، و ثرها عميق بعمق تجاذب تلك الأرواح، فغالبًا القلب الطيب من الناس يحنّ إلى شكله والشرير يميل إلى نظيره ومن يشاكله، كل إنسان له شبيه روحي يتناسب معه، فكما أن هناك من يحبك بلا سبب، هناك أيضاً من يكرهك بلا سبب وقد تُعجب الروح بروح إنسان آخر تحس معه بمشاعر لا تعرف لها تفسيراً ولا تجد لها أثراً، فقط سوف ترتسم على جبينك ابتسامة تعجُبّ وتحس بشعور يمازج قلبك وفرح يداعب وجدانك أن جمع الله بينكما بموقف عجيب غريب.

الأرواح جند مجندة

هذه المواقف تجعل الإنسان يـتأمل ويـتفكر بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الأرواح جـنـود مجـنـدة، ما تـعـارف منهـا ائـتلـف، ومـا تـنـافـر منهـا أخـتـلـف».

 قد نجد تفسير لما نتحدث عنه  فهذا الحديث يشير إلى مسألة تآلف الأرواح التي تشابهت في الطباع والمزاج أو التركيب النفسي، عكس تلك الأرواح المختلفة في الطباع والأمزجة أو التركيبات النفسية المعقدة.

أن تجاذب الأرواح من أسمى وأرقى العلاقات الإنسانيه؛ لأن الوجوه والأشكال تتكرر، أما الأرواح فلا تتكرر. إن هذا العالم يتعدى الشكليات والماديات حيث التجانس في الطباع الباطنة والأخلاق الخفية يورث تجاذبها وهذا ما يسمى بالتخاطر العاطفي أو تجاذب الأرواح، فما أجمل أرواح التقت واتفقت واشتاقت، يجمعها تجانس عجيب تنجذب لبعضها البعض كما تساق إلينا الأرزاق، فما أروع من رزقه الله بروح تشبه روحه تسعى لإسعاده كما يسعى لإسعادها!

وجود مثل هذه العلاقة بين الأشخاص نعمة كبيرة لا تعوض؛ فتعارف الأرواح يقع بحسب الطباع التي جبلت عليها من خير وشر فإذا اتفقت تعارفت، و إذا اختلفت تناكرت.

قال الشاعر: قريب عهدٍ بالحبيب وإنما                هوى كل نفسٍ حيث حلّ حبيبها

وقال جبران خليل جبران: ‏«ما أجهل الناس الذين يتوهمون أن المحبة تأتي بالمعاشرة الطويلة، ‏إن المحبة الحقيقية هي ابنة التفاهم الروحي».

تناغم الفكر والروح

غالباً عندما تحب روحاً عابرة فتلك الروح تحب ما بداخلك وهذا هو مبدأ تجانس الأرواح مما يعني تدفق الحب بسهولة بلا تكلف أو مقدمات. أن التوافق بين إنسان وآخر لا يكون بسبب توافق عمر ولا جنس ولا لون ولا بطول العشرة، ولا بالرفقة المستمرة، ولكنها سر من أسرار التوافق الروحي.

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «لا تسألنّ أحدًا عن ودّه إياك، ولكن انظر ما في نفسك له، فإنّ في نفسه مثل ذلك، فإن الأرواح جنود مجنّدة»

وقال أيضاً «اعتبروا الناس بأخدانهم، فإن المرء لا يخادن إلا من يعجب».

وهذه الأقوال توضح ما بين الأرواح من توافق وتفاهم؛ فالأرواح جنود مجندة، واتحادها وتجاذبها هو توافق وتشابه في الصفات الكريمة بين الذوات، فعندما يتناغم الفكر، وتتعانق الأرواح ‏تتحطم أمامها كل المفاهيم المادية، ‏ليخلق توافق روحاني حيث تأخذنا الأقدار لنتقابل مع أرواح ‏تتجانس معنا نستشعر ما يستشعرون، وكأن هناك رابط بين أحاسيسنا، وحتى في الطبيعية شواهد كثيرة على التوافق والتنافر؛ ففي الكيمياء هناك أيونات تتفاعل وتتجاذب، وفي الفيزياء عناصر تتآلف وتتنافر.

تجاذب الأرواح أقوى أنواع التجاذب لأنها الأصدق إحساساً والأكثر عمقاً، لقد بين ذلك الدكتور مصطفى محمود حيث قال: «الحب ثمرة توفيق إلهي وليس ثمرة اجتهاد شخصي، هو نتيجة انسجام طبائع يكمل بعضها البعض الآخر ونفوس متآلفة متراحمة بالفطرة ..».

كذلك بيّن علم النفس هذه الحالة حيث قيل: ‏«سبب عدم قدرتك على إخراج شخص ‏من تفكيرك هو أن الشخص ذاته يفكر بك، أنه ‏تجانس الأرواح».

الحب طاقة كامنة

ربما أن التشابه الأخلاقي يولد تجاذب في الأرواح فيكون هناك ‏روح تحمل نفس المشاعر ‏ونفس الأفكار ‏نذهل أحيانًا عندما نجد إنسان يشبهنا ليس بالمظهر ولكن في الروح. قد يتبادر إلى أذهاننا تساؤل: كيف يقع الحب؟

إن الحب الذي نتحدث عنه بين شخصين، إنما هو أشبه بطاقة كامنة موجودة من ذي قبل و يتم تأجيل المشاعر إلى حين وصول اللحظة المادية التي تجمع الروحين بلقاء حاسم فيتم تلاقي الأرواح و‏تناغم الفكر وتجانس النبض ولذة النظر، من هنا يمكن القول بأن علاقات الحب الناجحة المستمرة سببها تآلف الأرواح والعكس صحيح.

قد تكون هذه الظاهـرة غـريـزة فطـريـة بعـيدة عن الحـواس الطبـيـعـية الخمس، في حياتنا أشخاص يعنون لنا الكثير والكثير مع أننا لم نخالطهم إلا فترة وجيزة، عليه يكون هذا التعلق ليس ذنبًا لأن تجاذب الأرواح أمر لا إرادي فالأرواح جنود مجندة. حيث قال مصطفى العقاد: «نحن لا نحب حين نختار، ولا نختار حين نحب، إننا مع القضاء والقدر حين نولد؛ وحين نحب وحين نموت». وكم من روح بات البعد عنها صعبا لدرجة الاختناق.

لكن للأسف غالبًا ما تأتي تلك الأرواح في وقت متأخر صعب يكون بينها لقاء؛ فالعمر محطات واللقاء يكون في المحطة الخطأ.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى