
Latest posts by مصطفى عبادة (see all)
- أوراق من نفسي… رؤى مثالية وواقع ملوث - 23 سبتمبر، 2023
هذا الكتاب شهدتُ مولده، وما أكثر الكتب التي وُلدت على يدي، وفرحت بها، لكن فرحتي بهذا الكتاب مختلفة، فهو الكتاب الأول للصديق أحمد سعيد طنطاوي، وقد وضع فيه معظم رؤاه وأفكاره وتصوراته، ومواقفه تجاه العديد من القضايا، أقول بعض رؤاه لأنه لا يزال لديه الكثير. ومن يقرأ الكتاب سيعرف أن المؤلف لديه فعلاً الكثير الذي سوف يقدمه للإسهام فيما يتصور أنه حلول لقضايا وطنه التي تفاعل معها، وحاول اقتحامها.
على أن أكثر ما لفت نظري في طريقة تناول أحمد سعيد طنطاوي، للقضايا التي تصدى لها هي الجرأة والصدق مع الذات والتواضع بعدم ادعاء ما لا يعرف، والدخول إلى تلك القضايا من زوايا نظر تشكلت داخله هو وحده، وليس متأثرًا في رؤاه بأي أحد آخر، أو مستجلبًا رؤى من مفكرين آخرين، فليس أحمد سعيد ممن يقرأون الجرائد، ويلفون لفة على المواقع، ثم يجلسون ليلخصوا ما قرأوا في مقال، أو يطنطن به في الجلسات أو على مواقع التواصل، وليس هو ممن يجلسون أمام برامج (التوك شو)، ثم يختارون قضية مما يناقش ويدلي فيها بدلوه، بل إنه بالتعبير النقدي القديم: لا يصدر إلا عن أصالة فكرية تخصه.
«أوراق من نفسي»، الذي أصدرته دار «النخبة للطباعة والنشر»، يضم مختارات أولى من مقالات طنطاوي، تشكل معًا مجتمعة، إذا نظرت إليها من أية زاوية تريد، تشكل نوعًا مختلفًا من التحقيق الصحفي الذي يقوم بفحص مدروس لأنماط المشكلات التي يعانيها المجتمع، ويتطور أحيانًا للتدخل بالرأي والمشورة التي يرى الصحفي أنها واجبة حتى لو لم تطلب منه.
على أن أميز ما يميزه كتابة أحمد سعيد تلك الحماسة التي هي قرين المثالية في النظر إلى الأشياء، وهي حماسة معدية، فأنت تخرج من قراءة الكتاب متحمسًا للمشاركة، لأنك تشعر مع سطور الكتاب، بأن كل كلمة نكتبها عن أيامنا هي شهادة حية أو ينبغي أن تكون كذلك، ولا بد أنها كذلك في هذا الزمن، فإذا لم نكن قادرين بذاتنا على الحل، فلا أقل من تسجيل شهادتنا على أيامنا وما يعترضنا، إنها شهادة حية ومادة أولية لتاريخ اجتماعي سوف يكتب بكل هذا الوضوح في يوم من الأيام، وشهادة أحمد سعيد طنطاوي جاءت من الوضوح والبساطة، بما يجعلها أقرب إلى سيرة ذهن متفاعل، ذهن يقظ، يفكر فيما يحيط به، ولديه إحساس متوقد بالمحيط الاجتماعي والسياسي، يتعامل مع الشأن العام على أنه أمر ذاتي ما مكنه من التقاط بعض التفاصيل التي ربما تخفى على الكثيرين برغم وضوحها وعيانها.
أحيانًا في بعض المقالات يبدو أحمد سعيد طنطاوي، في «أوراق من نفسي»، مثل طفل مصاب بالدهشة أمام ما يجري، وتأتي الكتابة كمزيل أو مفسر لهذه الدهشة، هي إن صح القول أداة للفهم وإحدى مرتكزات رؤية العالم لديه، كما أنها أيضًا سمة للرؤى المثالية في التعامل مع الواقع.
فعبر سبعين مقالًا، تشكل متن الكتاب تعين على الكاتب أن يتعامل مع ما يحيط به في وضوحه ومباشرته، وانفعاله به، وتغيب عنه أحيانًا آلية ربط ما يجرى بظروفه السياسية العامة، وتفاعل السياسي مع الاجتماعى، فالواقع المصري والعربي من التعقيد، بحيث إن كل مشكلة تكون نتاجًا أو ترتيبًا على أخرى، يجب فك هذه التعقيدات لفهمها، لكن الكاتب، ولأنه كتابه الأول، ورؤاه الأولى غلبت عليه الحماسة والتعامل المستقيم مع القضايا التي يعالجها، والاستقامة التي أعنيها هنا هي التعامل مع المشكلة كأنها بنت يومها، دون تشابكها وامتدادها، لكن هذه الحماسة التي ذكرتها سابقًا في طريقها إلى النضج، وهذه المقالات تقول بوضوح إننا في انتظار كاتب مقال مهم.