إبداع
إيطاليا.. رجل أوروبا المريض
الكل يريد أن يكون هذا الفيروس مجرد كابوس صيني الصنع أو حتى هوليودي

Latest posts by حبيب درويش (see all)
- فلويد: حرموني من الحياة - 13 يونيو، 2020
- عجوز القصر - 30 مايو، 2020
- أرملة مومباسا - 23 مايو، 2020
من يوميات كورونا..
تصل سيارة الإسعاف المستنفرة و المعقّمة، بطاقمها المكوّن من طبيبة مسعفة تبدو متعبة غير عابسة، و اثنين من المساعدين.
إضافة إلى السائق- الذي يظهر عليه بعض التردّد، أو ربّما الخوف- بشارع فارغ تمامًا، الساعة الثامنة مساء، مجرّد سماع صوت بوق هذه المركبة يُثير هنا -بهذا الحي الإيطالي الذي كان بالأمس مليئًا بالسّياح وهو اليوم مجرّد طريق تسوقه الأشباح الجائعة.
الذّعر والحزن مع تفشّي الفيروس الأكثر شراسة في هذا البلد، بل هي طفرة تُهدّد بانحدار هذه الدولة نحو المجهول، مسؤولون ربّما أساءوا تقدير خطورة هذا الوباء الآتي من (ووهان) الصينية.
إنّها إيطاليا بلد جلّ شعبه من المسنّين، لم تكن التدابير كافية، ممّا سرّع في انتشار وتفشي شبح الموت، لتسكن جائحة كرونا كل ركن، كل روح، كل ذرّة أوكسجين هائمة في الجو.
-أبي هل تسمعني؟!
الابن في الخمسين من عمره، يبكي بحرقة، مرتديًا كمّامة زرقاء، ليضيف..
-أبي نحن بجانبك، ندعو لك، أنا، أمّي، أختي..
تطلّ الأم من على الباب الرئيسي، ممسكةً يد ابنتها كأنّها تمنعها من التقدم نحو الخارج، بعد أن
حُمل الوالد على السّرير الطبّي المتنقّل بتصميم من الطبيبة التي قرّرت نقله للاستعجالات رغم معارضة إدارة المستشفى من على الهاتف..
-لا مكان لدينا هنا أيّتها الطبيبة،هو مسنّ اتركيه بسلام!
لتردّ عليهم بإصرار وكثير من الإنسانية..
-لا، هو يحتاج لرعاية استشفائية مستعجلة!
انكمش المصاب على نفسه، على جنبه الأيسر في صمت يكاد يكون كاتدرائلي بحت، لا يردّ، أو لا يريد أن يردّ!
لا أحد يعرف هنا لِما كل هذا الوجوم الحاضر بينهم!
لا أحد يريد أن يفهم مدى تأثّر الناس هنا بهذا الهلع الحاصل في هذا الشارع، في بيت هذا المسنّ، في إيطاليا-رجل أوروبا المريض- بالعالم كلّه.
الكلّ يريد أن ينسى، أن يتعافى، أن يكون هذا الفزع والحجر الإلزامي، مجرّد كابوس صيني الصنع أو حتّى هوليودي! لا يهمّ، المهمّ أن يمرّ بسلام.
اُدخِل السيارة برفق..
تمّ توصيله مباشرةً بالأوكسجين..
أُغلق الباب الخلفي..
وداعٌ يُخيّل لكَ أنّه الأخير.