
- اختيارات الكاتب الفنية تحقق الهدف من النص - 4 مايو، 2020
قصة (طفلة الشاعر) من مجموعة قصصية تحمل عنوان «جذور عنيدة » والصادرة عن «دار النخبة» في القاهرة.
هذا النص القصصي بسيط في لغته، لا ينبني على رموز معقدة أو خيال جامح ،لا تتداخل فيه الأزمنة القصصية ولا تتصارع الشخصيات، وهو مع ذلك يقوم على اختيارات فنية تبلغ أهداف الكاتب منه، وأول تلك الاختيارات العنوان (طفلة الشاعر).
كل عنوان يختزل ويختزن مقاصد النص، العنوان مركب إضافي سيقدم شخصيتين قصصيتين و يحدد العلاقة بينهما.
عرفت الشخصية الأولى بسنها: طفلة و جنسها: أنثى، على أن هذا المعطى الثاني لن يؤثر في الحدث القصصي عرفت الشخصية الثانية (المضاف إليه) بجنسها (ذكر) وصفتها الثقافية (شاعر).
اختيارات فنية في عنوان القصة
ما يشد في العنوان هو الوقوف عند الهوية الثقافية للأب/ الشاعر، و تنفتح بذلك آفاق السرد للتفكير في وضعية فئة إجتماعية في كل قصة مهما قصرت حكاية يرويها سارد من موقع ما وقد اتخذ السارد هنا موقعًا خارجيًا في البداية وكان السرد بضمير الغائب، و كأنه مجرد ملاحظ يكتفي بنقل ما يرى حتى يترك للقارئ مسؤولية الموقف.
لكن هذا الموقع مجرد مراوغة من السارد فهو المسؤول في الحقيقة (خاصة وهو يتماهى مع الكاتب) عن هندسة الفضاء القصصي وسائر الاختيارات الفنية، وفي الحقيقة سرعان ما يغير موقعه ليصبح داخليًا ويصبح السرد بضمير المتكلم المفرد والجمع (اقترب مني/ أنا أنظر…) ويتحول السارد إلى شخصية مشاركة في الأحداث لكنها لا تصرح بمواقفها بل توحي بها وهذا معهود في الأعمال الفنية عمومًا لأن الأمر موكول إلى الخطاب القصصي وبالتالي إلى القارئ.
تروي الأحداث و تحدد الأطر بأسلوب تلغرافي فالجمل قصيرة في كامل النص ونسق السرد سريع، والشخصيات تتحرك وكأنها آتية من عوالم مختلفة فهي لا تتحاور (ما عدا قاللي أنه ميت)، ولا تفاعل وكأنها روبوهات بلا إحساس رغم درامية المشهد.
يقع الحدث الرئيس: موت الشاعر في الشارع و الاشتراك في الحروف بينهما يهمس علاقة الشاعر بالشارع فالفنان في المجتمع العربي مهمش، وما اختيار السارد لهذا الإطار المكاني المفتوح والمكشوف الكاشف إلا تجذير الأقصوصة في واقعها من ناحية وتعرية لبعض الحقائق من ناحية أخرى.
اختيار الزمان القصصي يسمح برصد المشهد
أما الزمان القصصي فهو الظهيرة، اختيار يسمح السارد برصد المشهد نظرًا لقلة المارة و يقدم درامية المشهد من ناحية أخرى فوجود مسن في الشارع وقت الظهيرة يثير الاستغراب ويدفع الى التفكير الشخصيات الموجودة داخل دائرة الضوء هما الرجل المسن والطفلة، لكن ليس لهما حركة ولا فعل قصصي فالرجل ميت وسنكتشف سبب تواجده غير العادي في الزمان و المكان، وهو اشتراء ما يسد الرمق لكن ليس لديه غير أوراق شعره وتلك وضعية مادية تتناقض ووضعيته الثقافية.
فهو فنان شاعر مبدع معروف وينتسب إلى البورجوازية الصغرى لكن الفن والإبداع لا يطعمان الخبز في مجتمع لا يؤمن بالثقافة وسياسة تهمش المبدعين الرجل مات فقيرًا جائعًا وأصبح ماضيًا الشخصية الثانية داخل دائرة الضوء هي الطفلة، و هي الأخرى متأثرة -في الفعل القصصي- لا مؤثرة، فما سر وجودها في الفضاء القصصي؟
ليس للشخصيتين الأساسيتين دور في صنع الحدث لكن لهما دور في صنع الموقف، فقد مرر السارد من خلالهما وضعية المبدع في المجتمع العربي فهو يعاني من التهميش عبر الأجيال، وما غياب الزمن التاريخي المرجعي في السرد إلا إشارة إلا أن هذه الوضعية قديمة ولعلها ستستمر، أفليست الطفلة استمرارًا للشاعر؟ فماذا ورثت عنه؟
إن البرود الذي تعامل به العسكري وكذلك السارد مع هذه الدراما يوحي بأن تقدير الفنان ليس قريب المنال.
القصة.. (طفلة الشاعر)
«لم يكن الشارع وقت الظهيرة مزدحمًا. رجل كبير مستلقٍ وبجانبه طفلة جالسة. اقترب رجل يرتدي بدلة عسكرية فطلب مني أن أساعده، اقتربنا وأنا أنظر إلى لوحة فنية حيث يحتضن الشارع المُسن والطفلة في مشهد لا يتكرر في الحياة.
الطفلة لا تدرك أنه بلا حركة ويُخال لها أنه نائم. شك العسكري بالأمر. حركه، لم يتحرك. قالي لي.. أنه ميت! الطفلة تنظر إلينا ببراءة ولم تعِ ما يدور.. بحثنا في أغراض وجيوب الرجل.. أخرجنا مجموعة أوراق، عرفنا بأنه شاعر معروف. لكن عيني التقطت ورقة صغيرة كُتب عليها.. بصل وطماطم ولا تنسى الخبز».