الأدب يرصد معاناة البشرية
أسامة إبراهيم يتحدث عن مشكلات من واقع الحياة وما تحمله من نبوءات للغد

- الأدب يرصد معاناة البشرية - 20 مايو، 2020
قيمة الأدب أن يرصد معاناة البشرية ، ولا يشترط أن يجد لها حلولًا فهذا ليس شأن العمل الأدبي، لكنه يخرج معاناة البشرية ويتوغل في النفوس ليستخرج منها المخاوف والهموم والأحزان، ويرسم الآمال والأحلام والتطلعات.
كما تكمن قيمة الأدب في التعامل مع الظروف الإنسانية الصعبة أن يرصدها ويخلدها ويوثقها، ليس بالنظرة العلمية أو التاريخية، وإنما بالنظرة الإنسانية المجردة التي تنظر إلى الإنسان المجرد الذي يشكل الرمز للبشرية كلها…
التوغل في النفس البشرية
وقد نجح القاص أسامة إبراهيم في المجموعة القصصية «الكمامة الزرقاء» في التوغل في ذات النفس البشرية لرصد مشاعر وأحاسيس بما تحمله من تناقضات ما بين التعاطف مع المصاب وما تحمله الشجاعة على ضرورة مساعدته، وبين التوجس والخوف من احتمال التعرض للإصابة، والتناقض بين التصديق والتكذيب بأمر الوباء سواء أصاب من حولك أم اكتفيت بالاستماع إلى ما تتناقله الأنباء.
كما استطاع رصد التناقض في التعامل مع المريض كحالة تدرس وتشبع فضول البحث والدراسة للأطباء وبين تقديم يد المساعدة الحقيقية له، والتناقض بين قيام شخص بواجبات عمله وبين الضروريات التي يفرضها الوباء من العزلة والتوقف عن الاختلاط.
كلها حالات إنسانية ومشاعر رصدها القاص أسامة إبراهيم، من خلال قصص من واقع الحياة المعاشة اليوم، وما تحمله من نبوءات للغد…
وهذه المجموعة القصصية ترصد تلك الظاهرة ومدى انعكاسها على أبطال المؤلف، الذين يمثلون شرائح متنوعة من البشر، يتحدث بها عن مشكلات واقعه وبيئته، ويشرح هذه البيئات والطبقات راصدًا أهم مشكلاتهم، والتي يقع في مقدمتها غياب الوعي ليضع في أولوياته بهذا العمل تصحيح كثير من الرؤى وتوضيح كيفية التعامل مع المشكلة في إطار اجتماعي إنساني، بعيدًا عما يمكن أن يكبل العمل الأدبي من النصح والإرشاد الذي هو دور المصلح الإجتماعي وليس الأديب.
النصح والإرشاد يخدم السياق
وإن كان لا يخلو الأمر من تقديم تلك الجرعة من النصح مسددة بصورة غير مباشرة تخدم السياق ولا تخل بالعمل الأدبي ووظيفته المرجوة…
يقول في قصة (تنفس صناعي):
« المريض يفيق وينظر بعينين زائغتين باتجاه من حوله. ورغم إعياءه الشديد إلا أن مامحه تشع ذكاء وخبرة سنين طوال.
وما زالت البسمة الغامضة تغمر وجهه المليء بالتجاعيد. تسلل الأبناء التسعة مبتعدين عن الحاجز الزجاجي العازل بينهم وبين والدهم، باستثناء الابن الأكبر الذي ظل واقفًا ينظر إلى وجه أبيه، فتستولي عليه الحيرة والذعر!
يتأهب ليصرخ وهو يشاهد أبيه المريض يغمض عينيه، فطمأنته الممرضة بإشارة من وراء الحاجز بأنها إغفاءة عابرة تشبه النوم وليس موتًا!.. فكر الإبن الأكبر في أن الثروة والميراث والعقارات التي يطمع فيها أخوته لا معنى لها، إذا كانت الحياة برمتها يرتبط مصيرها بجهاز تنفس صناعي، فهي لا تستحق أن نبكي عليها».