التعصب بلغة عرجاء وأفكار محنطة
من أكبر الكبائر في مجتمعنا الجهل والتعصب والإصرار على الأخطاء وضحالة التفكير

- الشجرة… جمال وجلال وكبرياء - 2 ديسمبر، 2023
- التعصب بلغة عرجاء وأفكار محنطة - 27 سبتمبر، 2023
- وضع النقاط على الحروف - 26 أغسطس، 2023
من الخصال الرديئة في حياتنا الأنانية والتغطرس الفج والإسراف في التبختر وإطلاق التعميمات والتهم الجوالة والنعوت والتسميات دون حكمة وتبصر، خاصة عند من يمكن تسميتهم بأنصاف المتعلمين، الذين يعانون من اضطراب البوصلة الثقافية.
ولقد سماهم تيودور أدرنو، أحد رموز مدرسة فرانكفورت في علم الاجتماع، أصحاب (الثقافة المصطنعة)، المخدرين للجماهير، الذين لا يهدفون إلى (تنوير البشر عبر العلم والمعرفة) وإحداث قفزة ظافرة في وعي وسلوكيات العامة.
(فالباحث عن الحقيقة يشعر بداهة بالنقص ويتعلم، ومن يدعي العلم وامتلاك الحقيقة وحدة لن يتعلم أبدأ، ولن يرى الحقيقة) حسب تعبير الأستاذ زكي بركات.
العقليات السطحية والإسراف في التبختر والتغطرس
فالعقليات السطحية فاقدة للاستنارة والتبصر، ولا تميز بين الخل والماء، ومن بين الفعل الوضيع والموقف الرفيع، ومصابة بلوثة عمى الألوان، حيث أنها تحكم على الأشياء من القشور والتمظهرات الخارجية، وتعيش دائماً تحت سماء مكفهرة تتلذذ برغيف الجهل والبؤس الفكري والمعرفي، وعاجزة عن وضع الأصبع على الجرح واكتشاف مكامن الأوجاع، ومشغولة بالفسيفسات الشكلية، فلا تجيد قراءة مفردات الواقع والنفاذ إلى قلب الحدث، فهي مريضة وحزينة حتى الموت.
ومن أكبر الكبائر في مجتمعنا الجهل والتعصب والإصرار على الأخطاء وضحالة التفكير، فالأستاذ شكيب أرسلان في كتابه الموسوم (لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟)، يشير إلى أن العلم الناقص هو (أشد خطراً من الجهل البسيط، لأن الجهل إذا قيض الله له مرشداً عالماً أطاعة ولم يتفلسف عليه، فأما صاحب العلم الناقص فهو لا يدري ولا يقتنع بأنه لا يدري).
ثقافة محاربة طواحين الهواء
وجُبل نزر من المعطوبين نفسياً على ثقافة الحفظ والإملاء والهيمنة والحيل والمراوغة و مرافسة الحقائق ومحاربة طواحين الهواء .
فلا يحق للجمل العليل صاحب الرقبة المعكوفة أن يسخر من الآخرين الذين لا يجنحون عن جادة الصواب، ولا يحق للطائشين توزيع صكوك الغفران وإصدار فتاوى بدخول الجنة والنار. إنه لأمر مقرف أن يدعي أحدهم النزاهة والنظافة والاحتشام وهو غارق حتى أذنيه في الأوحال والروائح الخبيثة. إن الغرور والشمولية تكسو سلوكيات وأفكار المصابين بفيروسات وأمراض العقم والتيبس الفكري والعقائدي.
دعوة للكف عن الأفكار المحنطة
لم يعد مستساغاً السكوت عن المعائب والمشاهد المسرحية والطقوس الكهنوتية تحت ستار من العبارات الدخانية وشعارات الزينة والبخور والأرواح السابحة في الهواء.
أتركوا اللغة العرجاء والأفكار المحنطة والطيش الفكري، كفوا عن توزيع النياشين والألقاب وصكوك الغفران، فلقد صرخ مرة الروائي العالمي فيكتور هيجو: (أيها الكاهن.. إني أنا المؤمن وأنت الكافر).
من كتاب شخصيات وقضايا سوسيولوجية في مجتمع عليل
الصادر عن دار النخبة للنشر والطباعة والتوزيع