حول العالم

«التونسي» الذي أعاده القدر إلى بلده مصر

لم يكن مجرد زجال كما يعرفه أغلب القراء بل كان قبل ذلك وبعده شاعرًا فصيحًا بليغًا

أمرت السلطات الفرنسية بترحيله من تونس إلى إحدى الدول الإفريقية بسبب أزجاله اللاذعة وفي الطريق إلى منفاه أعاده القدر مرة أخرى إلى مصر مسقط رأسه.

إنه بيرم التونسي الذي تحل ذكرى وفاته الـ 60 هذا الأسبوع في 5 يناير، الذي ولد في الإسكندرية في 4 مارس 1893، وكان بيرم هو لقب العائلة الأصلي، وأضيف إليه «التونسي» لأنّه ابن أسرة تونسية قدمت إلى مصر.

وقفت الباخرة التي أقلته في ميناء بورسعيد، فوقف بيرم باكيًا حزينًا وهو يرى مدينة بورسعيد من بعيد، وصادف أحد الركّاب الذي حكى له قصته فعرض عليه هذا الشخص النزول معه في مدينة بورسعيد؛ بعدها أسرع بيرم لملاقاة أهله وأسرته،

بيرم التونسي يعود لوطنه

ثم قدم التماسًا إلى القصر، فعفى عنه الملك فاروق بعدما تربع على عرش مصر، وعمل بيرم كاتبًا في أخبار اليوم، وبعدها عمل في جريدة المصري، ثم في جريدة الجمهورية،

وقدّم أعمالًا أدبية مشهورة، وكان أغلبها أعمالًا إذاعية، منها (سيرة الظاهر بيبرس) و(عزيزة ويونس)؛ وقد منحه الرئيس جمال عبد الناصر سنة 1960 جائزة الدولة التقديرية لمجهوداته في عالم الأدب، وحصل إثرها على الجنسية المصرية.

في دراسة له نشرت في أنطولوجيا السرد العربي٬ يذهب الشاعر سعد عبدالرحمن٬ إلى أن بيرم التونسي عاش حياة مضطربة شديدة الاضطراب ويكفي أنه قضى منها شريدًا مطاردًا ما يقرب من عشرين سنة (1920 – 1938)

تنقَّل فيها وهو خائف يترقب ما بين مصر وتونس وفرنسا وسوريا ولبنان والسنغال، وبالرغم من ذلك استطاع أن يحفر اسمه بحروف بارزة في سجل الأدب والأدباء.

«بيرم» شاعر فصيح

لم يكن بيرم التونسي مجرد زجال كما يعرفه أغلب القراء بل كان قبل ذلك وبعده شاعرًا فصيحًا بليغًا، وفي نماذج شعره الفصيح خير دليل على ذلك،

ولا غرو فهو يقول عن بدايات تعلقه بالأدب: «استوعبت دراسة الأدب العربي من أمهات مصادره وشربته من أصفى ينابيعه ودرست البلاغة وعلوم اللغة وفقهها»،

ولكنه انصرف عن طريق الشعر الفصيح وأدار ظهره له لأسباب يبسطها حين يتحدث عن الحال المؤسية لأغلب الشعراء في ذلك الزمان، فيقول: «وكنت أظن أني سأجتر هذه الثقافات العربية الصميمة في صقل استعدادي وموهبتي الشعرية..

إلا أنني شهدت في مطلع حياتي صرعى الشعر وأشلاء الشعراء تحت أقدام المشعوذين وشذاذ الآفاق والمتجرين في سوق الأدب الفارغ والكلام الساقط واللغة الدارجة على أرض خبيثة»،

حياة مضطربة

 ويستطرد في شرح بقية الأسباب وهي التي تتعلق بحياته المضطربة فيقول: «ثم تعاقبت علي المحن الثقال مع الليالي الطوال..

فأخذت المجاعة بخناقي وخناق الأطفال وتلقيت وحشة الاغتراب ونكد المرض وفقدان الأوطان والإخوان وضراوة المجاعة في بيت لا يؤنس بقايا الآدميين فيه إلا الأنين والدموع والأنفاس اللاهثة»،

 ويؤكد عبدالرحمن: النتيجة التي ترتبت على كل ذلك بالطبع انصرافه عن الشعر الفصيح. أو كما يقول بيرم: «فلم أر أن أضيف إلى هذه المحن القاصمة محنة الشعر فتركت ثقافتي واستعدادي وموهبتي الشاعرة أمانة في ذمة الأيام إلى الزجل أنظم به المسرحية والموال والأغنية».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى