إبداع

«الجسّيس».. موجود على مرِّ الأزمنة والعصور

رواية «يهوذا» مزيج من الواقعية والخيال تغوص في طبائع البشر

رواية «يهوذا» الصادرة عن دار النخبة من الروايات المتميزة وكاتبها المتميز «نبيه الاسكندراني» يجيد الإبحار في النفوس ويرسو بك على شواطىء خصال وطبائع البشر واصفًا إياها ليس بالكلمات، ولكن بوقائع وأحداث تأخذك معها في جولات قد تكون على مر أزمنة وعصور مختلفة مضت.
 
استخدام الرمز في توصيف الأحداث أضفى عليها مزيجًا من التشويق والإثارة ومتابعة الحدث للرغبة في إثبات صدق التوقع، وإن كان في الرواية التي نحن بصددها استُخدِم بشكل عام كإشارة للصفة الرئيسية التي تناولها من خلال شخصية نموذجية تجسدت فيها، ذكرها في المقدمة والذي اتخذ منها عنوان للرواية، لأنها بمثابة النموذج المكتمل الذي يمثل صفة الخيانة، وهو (يهوذا الاسخريوطي).
 
عرض الكاتب نماذج أخرى للبشر يغلب عليها الصفة الممقوتة والمتاجرة بآلام البشر وعدم التورع عن فعل أي شيء من أجل أنفسهم فقط.
 
 

رواية «يهوذا» ربط بين الأماكن والأزمنة

 
يعرض نبيه الاسكندراني فكرته من خلال حوار ممتع وشيق بين شخصيات الرواية يتنقّل بنا برشاقة عبْر أماكن وعصور مختلفة لايجمع بينها سوى ما أراد الكاتب نقله لنا، وهو النموذج الذي تحدث عنه في البداية (يهوذا).
 
ربط الكاتب ببراعة بين الشخصيات المختلفة الشرائع والأماكن والأزمنة بتعرّضهم جميعًا لنفس المصير، ولكن كلٌ حسب ما واجه من تحديات وخيانات أودت به إلى مصيره الأخير الذى تلاقى فيه أقرانه، وذلك من خلال براعة في سرد الأحداث واستخدام راقي لمفردات اللغة.
 
استخدام أسلوب الحكاية لسرد الأحداث أعطى للرواية تميزًا وجاذبية تشد القارىء لمتابعة الأحداث دون ملل، بل ومن خلال الحوار تجعله يُعمِل عقله فيما وراء الكلمات فيستنتج ما حول الشخصية المتحدثة التي تروي قصتها، يعرف لأي شريعة تنتمي وفي أي عصرٍ من العصور كانت الأحداث ومكانها.
 
عرض الكاتب أحداث قاسية من خلال قصص الشخصيات باستخدام تعبيرات تثير الشعور والأحاسيس ولكن بشكل يعزز من الإيمان الداخلي للإنسان، فعندما عرض النهايات المُحزِنة للشخصيات غلّفها بعبارات إيمانية صادرة منهم تجعلك وأنت تتلقى هذه الأحداث القاسية (والتي غالبًا تجد نفسك تعيشها رغمًا عنك مع أحداث الرواية)، تتغلب على شعور الحزن فتنتقل مع الشخصية لمصيرها الذي سعدت به في النهاية.
 
وهنا تظهر براعة الكاتب؛ هو لا يريدك أن تعيش مأساة النهايات بقدر ما يريد نقل فكرته الرئيسية والتي عليها بنى روايته، فكرة (الجسّيس)، الموجود على مرِّ الأزمنة والعصور، يبيع كل شيء من أجل نفسه، يتاجر بآمال وآلام البشر.
 
 

عنصر الطفل في الرواية

 
تناول الكاتب للأحداث من خلال عنصر الطفل جعل الفكرة تصل بصورة أكثر بشاعةً وتأثيرًا وفي ذات الوقت عزّز ارتباط اليأس الملموس في الأحداث بنقيضه الأمل، والموجود دومًا في قلوب الأطفال البريئة النائمة على انتظار غد أفضل من اليوم يحمل معه أمانيهم البسيطة.
 
وكذلك اجتماعهم المصيري في مكانٍ واحدٍ بتصوير الكاتب واستشعار من يقرأ بأنه قطعة من الجنة الموعودة بما فيها من خضرة وأنهار وعيشة رغيدة، نقلتهم من الشقاء إلى نعيمٍ مُقيمِ وذلك على اختلاف شرائعهم، جعلته يخرج من جدل قد يتعرض له لو لم يكونوا أطفالًا. فلا يتطرق ذهن القارىء لهذا الجدل، ويعيش فقط مع الفكرة التي أراد الكاتب نقلها له بسلاسة ودون تعقيد.
 
والملاحظ أيضًا أن عنصر اللوحات المرسومة والتي تخترق صفحات رواية «يهوذا» مُتسِقة تمامًا مع الأحداث بل مع الكلمات التي تسبقها مباشرةً، فقد تقرأ جملة وفي نهايتها تجد لوحة تكمل المعنى أو توضحه بشكل مُعبِّر يزيد بتأثّرك بالكلمات، وهنا يكمن الاستخدام الأمثل للصور المصاحبة للأحداث وتوظيفها بشكل فعّال وجذّاب وفي مكانها يزيد من الإحساس بالكلمات وكذلك الإحساس بالصورة.
 
نحن بصحبة كاتب أجاد استخدام الألفاظ وذلك كما اعتدنا منه، وتناوُل شيّق وممتع لشخصياته، وحوار رشيق ينتقل بينهم، وعرض لحِقَب مختلفة من التاريخ بأسلوب سهلٍ وراقٍ من خلال الأحداث.
 

في حوار بين شخوص الرواية: 

 
«لا تتركانني، لا أريد أن أتوه مجدّدًا»… قالت شيرا بحسرة.
«لا تخافي شيرا، سنبقى بقربك. عليكِ فقط ألا تتركي يدي أبدّا مهما حصل. ولا تنسي الخالة القوية أديرا برفقتنا. ستهتم بنا ريثما ينتهوا من إجراءاهم السّخيفة.
أليس كذلك خالتي أديرا؟»…
قالت إفرات. «نعم، نعم عزيزتَيّ. الآن ابقيا هادئتين. ومهما حصل تمسّكا بيدي أو بثوبي»… قالت أديرا.
دخلنّ ثلاثتهنّ إلى غرفة كبيرةٍ أول المبني. المبنى فارغٌ من الرّجال. بضع نساءٍ يرشدّن الأسيرات داخله.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى