إبداع

الحاسة السادسة

قصة حقيقية لأحلام تتجذر في خفايا دماغ جموع الأيتام نتاج الحروب وأمثالها

م.راسم الحديثى
Latest posts by م.راسم الحديثى (see all)
 
 في أمسية هادئة ساخنة رطبة من أيام آب اللهاب، أزفت ساعة حضور التيار الكهربائي، بعد انقطاعاته لساعاتٍ بتقنية فريدة من نوعها، استأنفت أجهزة التكيف نشاطها بنشر نسائم السعادة من جديد.
 
وفي تلك اللحظات، وفي غمرة ابتهاجي بوصول آخر نتاجاتي من دار نشر ثائر العصامي والموسوم «جدلية سيرة- الشهيد عزيز فيصل شاهر في صفحات»، بغلاف وردي يزهو بصورة للشهيد خطتها أنامل فنانٍ راقٍ، كتاب يفيض بجمال الإبداع وروعة التصميم.
 
وفي لحظات السعادة العارمة هذه، لحظات اكتمال جهد ومشقة دامت أشهرًا كي أعطي الشهيد حقه، وجدتها قد طلبت صداقتي على صفحتي (face book)، وعلى الرغم من انتظار قائمة طويلة من طالبي الصداقة، إلّا أنني وافقت على الفور مستغربًا من حالي!
 
هي أشواق الحديثي، تابعتْ بشغفٍ قصصي القصيرة التي انشرها على صفحتي، وتجيبني بجميل المفردات الانكليزية وببساطة جملها أيضًا… (thank u for sharing).. (شكرا لمشاركتك لي).
 

جدلية سيرة 

جلبت نظري كما جلب نظري صديقنا المشترك منيب الحديثي الذي يعيش في كندا، هرب من جحيم الطائفية حين استعر أوارها، دفعني فضولي الاتصال به على الخاص، سألته عن أشواق الحديثي، فاجأني ما قاله: «هي ابنة الشهيد طالب سليمان حميد الصميدعي، الذي استشهد على سفوح الجولان دفاعًا عن دمشق وأملًا بتحرير تلك المرتفعات العصية.
 
أجبته بلهفة واندهاش: «ذكرتُ هذا البطل وهذا الحدث في كتابي (جدلية سيرة) وزينتُ تلك الأسطر بأبهى الكلمات: «علينا أن لا ننسى شهيد القضية الفلسطينية دفاعًا عن الجولان العربية وهو الضابط (طالب سليمان الصميدعي) استشهد في معارك تشرين عام 1973»، ما هذه الصدفة، هل هي الحاسة السادسة؟
 
وأكمل صديقي منيب حديثه، منيب ابن ذات القرية التي ترعرع فيها الشهيد: «حين ودَّع هذا الشاب الضابط زوجته الشابة، أوصاها بأن يكون اسم مولودها البكر مشتاق إن كان ذكرًا وأشواق إن كانت أنثى. غادرها ولم يعد، تقدم بثلاث دبابات باتجاه سفوح الجولان التي تربض في قممها قوات العدو الاسرائيلي، دُمرت جميعها بصواريخ العدو، وبقيت هناك محترقة وبداخلها أجساد الشهداء، أجساد تعزف سمفونية حنين الوطن، متلهفة لقبور الأهل والأحبة، باكية على خوار العرب حين نسوهم هناك وذهبوا يصالحون العدو.
 

أحلام أشواق

كانت فرحتها لا توصف حين أوصلتُ كتابي (جدلية سيرة) ليديها الكريمتين عبر (الإيميل) وقرأتْ وتأملتْ كيف سطرتُ بأجمل الكلمات ذكرى والدها واستشهاده، أبوها الذي لم تره ولم يرها. أشواق عاشت طفولتها في كنف جدها من أمها، عاشت الابتسامة والفرحة والنكوص والأحلام الغائبة بغياب الأب، تلك الأحلام التي تتجذر في خفايا دماغ جموع الأيتام نتاج الحروب وأمثالها.
 
أشواق لم تستسلم لقدرها فشكلت عالمها من جديد وبجدارة، فمزقت الشرانق التي طوقت طفولتها، وانطلقت لتتفتح بأزهار عطرة يعبقُ عطرها العالم كله من جديد، سلكت طريق الأمل وشروق شمس الإبداع، فتقدمت المسير رافعة رأسها. هي طبيبة الآن وزوجها كذلك، هناك في عالم الغربة تعيش، هربت من جحيم الحروب ومن الرصاصات التي اخترقت أجساد الكثير من زملائها في عراقٍ غرق في الطائفية القبيحة، في عالم لندن تجد ذاتها ويزهر عطاؤها.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى