
- حصار من نوع خاص - 6 ديسمبر، 2022
- «روزالين».. ولا زال البحث جاريًا! - 22 يناير، 2021
- صبوحة.. نغم سكن قلبي - 23 ديسمبر، 2020
كما في كل بقاع العالم نجد في شرق افريقيا وتحديدًا في مدن وقرى شواطئ الضفة الغربية للبحر الاحمر من مدينة مصوع مرورًا بالموانئ التاريخية في المنطقة ك (معدر) و(عدي) (بيلول) ،،، إلى (رحيتا) المحاذية لمضيق باب المندب ومرورًا بالجنوب إلى مدينة تاجورا الواقعة على خليج عدن ووصولًا إلى ميناء زيلع الواقع على بحر عمان، وأبعد منها، تعج الذاكرة الشعبية في هذه المنطقة بقصص ومغامرات كثيرة بعضها حقيقية وبعضها أسطورية.
وبعض تلك القصص والحكايات الشعبية والتاريخ الأسطوري يجب الحفاظ عليه من الاندثار والضياع وحفظه للأجيال، وفي النهاية هذه الحكايات الأسطورية هي مثلها مثل قصص أسطورية عالمية تحتاج إلى الاهتمام بها وتطويرها والاستفادة منها في الجانب السياحي مثلًا وتصبح مستقبلًا كقصة علاء الدين والمصباح السحري، وقصة بساط الريح، وقصة علي بابا والأربعين حرامي، والتنين الصيني وغيره.
وهذه الأمور تخدم المجتمع بطريقة ما أو بأخرى، وأول تلك المهام والمصالح اليوم هو الحفاظ على الموروث هنا من الضياع وهي مسؤوليات الجميع، وهذا هدفي أيضًا هنا وفي هذه القصة.
القصة الأسطورية الشعبية الأشهر
وسنبدأ لكم حكاية قصة «الشيخ آدم صاحب السجادة»، تلك القصة الأسطورية الأشهر تداولًا ونقلًا هنا وتصل القصة إلى مناطق أبعد بكثير من المناطق التي ذكرناها في قصتنا..
كان الشيخ آدم منذ صغره نابغة وذكيًا بالفطرة، وفي سن السادسة ختم القرآن الكريم وحفظه عن ظهر قلب، وتعلم علوم النحو والصرف والحديث والفقه والتفسير وهو في حدود العاشرة من عمره، وهذا ما دعى والده أن يطوف به الأمصار ويذهب به من علّامة إلى آخر، ومن فقيه إلى آخر.
ودرس الشيخ آدم صاحب السجادة علوم الشريعة في مكة المكرمة بداية، وذهب وسافر للتحصيل العلمي إلى المدينة المنورة ومصر والعراق والشام واليمن.
كان الشيخ آدم يقضي معظم وقته في المساجد ودور وحلقات العلم متعلمًا ومعلمًا.. ودارسًا ومدرسًا للعلم.. و اعتكف في المساجد، واختفى لبعض الوقت وظهر مثل الطيف في مدن الجزيرة العربية في أزمنة متقاربة.
ويُحكي أنه كان ينام في الحجاز ويصبح في البصرة وكان ذلك هبة سماوية وكرامات من الله العلي القدير لا يمنحها إلا للمخلصين والعباد والزهاد من أوليائه الصالحين مثل شيخنا صاحب السجادة..
ظهرت على الشيخ آدم بعض الدلائل والبراهين التي أثبتت منذ صغره وفي بدايات حياته أنه سيكون ذا شأن عظيم وأنه شخص استثنائي وموهوب ومبارك، وولادته جلبت الخير لأسرته وأهله وعشيرته، فميلاد الشيخ آدم كان مرتبطًا بشفاء كل سقيم في قريته بإذن الله الواحد الأحد، وببركته وكرامته أن كل من دعى له كانت تتضاعف وتتكاثر بشكل عجيب عدد بهائمه، وتفيض وتزيد محاصيله الزراعية، كان يدعوا الله رب العالمين للتاجر وتروج تجارته.
القرية المباركة
وأصبحت قريته قرية خيرة مباركة وكل من يدعو له الشيخ آدم يجد حظه ونصيبه من الخير قلّ ذلك أو كثر، والجميع أحبوه طفلًا، وجلّوه شيخًا عالمًاإ واذا ما حاول أحدهم إيذاءه ومضايقته تحل عليه لعنة من السماء وكارثة، ويتأذى بطريقة مخيفة مرعبة أو ينتهي بكارثة.
يُحكي أن أحدهم ضايق الشيخ آدم وتسلط عليه، ولم يقل له الشيخ كلمة واحدة، كان على لسان الشيخ التسبيح والاستغفار كعادته، وبعدما غادر ذلك الرجل منزل الشيخ آدم ووصل إلى السوق، تعقبته أربع ثعابين يصل طول الواحد منهم مترين، واقتفت أثره وحاصرته سريعًا في ذلك السوق وأمام حشود أرعبها المشهد وترى هذه الثعابين الضخمة لأول مرة في حياتها.
ولاذت تلك الجموع بالفرار من السوق، ودون أن تؤذي هذه الثعابين أحدًا، التَّوت والتفَّت حول جسم ذلك الرجل من قدمه إلى رأسه، وقيدته واختفى الرجل كليًا بها، وبعد قرابة نصف ساعة تركته مغشيًا عليه وانصرفت واختفت الثعابين الأربعة في لحظات، وكأن الأرض انشقت وابتلعتها أو تبخرت مثل الماء ورحلت إلى السماء.
وتحسس الرجل مذهولًا كامل جسده وأنفاسه، ولم يصدق ما رأى ولم يصدق أنه بقى على قيد الحياة وأنه سليم معافى، وأدرك سريعًا سبب الثعابين وقصتهم، وهرول نحو الشيخ وطلب منه العفو والمسماحة.
وفي يوم من أيام الشتاء الذي يفترض أن يعلن فيه البحر الأحمر عن غضبه ويكون فيها هائجًا ومضطربًا، لكنه كان عكس ذلك في ذلك اليوم، فكان وديعًا هادئًا على غير عادته في المساءات والصباحات الشتوية في البحر الأحمر، حصل ذلك بدعاء الشيخ آدم ومن أجله، فكان الشيخ آدم ينوي السفر ذلك اليوم، فحزم أمتعته وقرر الرحيل فهو كعادته كثير الترحال والسفر، يرحل ليلًا ونهارًا ويصل إلى مبتغاه في زمن وكيفية لا يمكن أن يتوقعهما أحد أبدًا.
سفرية الشيخ آدم
ويروى ويُقال أن الشيخ آدم كان سر من أسرار الله وبحر من بحور علومه، وقرر السفر والرحيل، لكن هذه المرة يبدو أنها سفرية طويلة ورحيل نهائي وإلى عالم آخر وبر آخر غير بر العرب، إنها رحلة الي بر العفر المقابل والمحاذي لبر العرب، وإلى ضفة غربية للبحر الأحمر، فلم يجد الشيخ في ذلك اليوم سفنًا تسافر وتبحر إلى تلك الضفة من البحر وإلى ذلك العالم، مع أن التلاقي كان ولا زال شبه يومي بين الضفتين والشعبين الشقيقين.
ولم ينتظر الشيخ لليوم التالي ، فهو لا يضيع وقته، ويدعو الله دومًا وتستجاب دعوته، كان تقيًا ورعًا، ويقول المولى عز وجل: «إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ» صدق الله العظيم.
كان الشيخ آدم من التقاة الورعين الذين يتقبل الله دعواتهم، صلى الشيخ ركعتين لله تعالى ودعا ربه في سره وحمل سجادتين ووضعهما على البحر، وقام بوضع مسجده الحجري على إحداها ومسجد حجري يتسع لمائتين مصلي، وامتطى السجادة الأخرى ووقف برجليه عليها، ودعا دعاء السفر جهرًا (اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والاهل والولد)، ورحل راكبًا الموج.
أبحر الشيخ آدم رفقة مسجده، ويرافقه حراس البحر، كان على يمينه وشماله زوجين من أسماك الدولفين، وفي المقدمة والمؤخرة زوجين من أسماك القرش، ووصل بسلام وأمان إلى مدينة تاجورا الواقعة اليوم في شمال جمهورية جيبوتي هو ومسجده، ويحمل شاطئ مدينة تاجورا إلى اليوم مسجد صاحب السجادة الذي قدم من بر العرب ومن الأراضي المقدسة.
مسجد صاحب السجادة
هناك بحجارته وجبسه وشكله وحجمه الحالي يرفد مسجد السجادة ما لا يقل عن مائتين مصلي، وتحمل مدينة تاجورا والذاكرة الشعبية فيها قصة هذا الشيخ ومسجده العتيق في شاطئها الرملي.
ومن ذرية وأحفاد الشيخ آدم في تاجورا، الشيخ محمد صاحب المقام الشهير في شاطئ تاجورا، والشيخ أبا يزيد في داي محافظة تاجورا، والشيخ عبد الرزاق الدنكلي (العفري) من تاجورا؛ لكنه عاش معظم حياته في مدينة زيلع شمال جمهورية الصومال حاليًا وتوفي بها.
غادر الشيح آدم صاحب السجادة تاجورا شمالًا وإلى مدينة عدي الواقعة اليوم في شرق دولة اريتريا وتقع على شاطئ دنكاليا على البحر الأحمر، وسكن الشيخ الجليل آدم واستوطن مدينة عدي التي تحتضن بقية قصته ومرقده ومقامه ومسجده (مسجد الشيخ آدم)، وكذا مقام حفيده الشيخ سري علي الولي الصالح والورع، و مقام حفيده الشيخ (عد عري لي) بمعنى صاحب المقام الأبيض وهو ولي من أولياء الله الصالحين، ويقع المقام الأبيض في شمال مدينة عدي.
وهذه المقامات والأضرحة تعتبر اليوم مزارات سياحية، واعتبرت في الماضي مزارات دينية كان يقصدها عامة الناس طلبًا للحاجة واعتقادًا منهم أن مطالبهم تستجاب عند هؤلاء الصالحين والأولياء، وكانت فعلًا تلبى مطالبهم ويرزقون على نواياهم الطيبة والبريئة والصادقة.
واليوم يختلف الأمر وتختلف القراءة، فيعتبر اليوم هذا الموروث الديني الملموس والذي يكاد يكون التاريخ الوحيد الملموس والمرئي في منطقتنا بشكل عام مزارات سياحية، واعتبرت وصنفت المنظمة العالمية للعلوم والثقافة والفنون (اليونسكو) بعض هذه الأماكن كمقام عدعرلي في مدينة عدي، ومقام الشيخ محمد في تاجورا مواقع تراثية يجب الحفاظ عليها. وهذه الأماكن هي بالفعل جزء من موروثنا وحكاياتنا الشعبية وذاكرتنا، وعلينا أن نحفظه نحن من الضياع ونستفيد منه..
النهاية