«الشيذمان».. الذئاب لا تحرس الشعوب
هل العصاباتُ المحتلةُ المتوحشةُ ستجلبُ ذئباً أقلَّ شراسةً من سابقهِ

صدر حديثًا عن دار النخبة رواية «الشيذمان» للروائي والناقد العراقي ذياب شاهين، تدور أحداث الرواية عن معاناة الشعب العراقي خلال حقب زمنية مختلفة.
مزج المؤلف بين الواقعية والميتافيزيقا في وصف الأحداث مع استخدام الرمز للإشارة إلى حقب زمنية مختلفة مرت على العراق وذلك في تداخل شيق ومثير.
يقول الكاتب في مقدمة الرواية:
ولكن هل العصاباتُ المحتلةُ المتوحشةُ ستجلبُ ذئباً أقلَّ شراسةً من سابقهِ، وخصوصًا أنَّ الناسَ بحسِّها الخبيرِ شاهدتْ دخولَ فراخِ ذئابٍ جائعةٍ يَسيلُ من أنيابِها لعابُ الانتقامِ..
بعدَ عدةِ أشهرٍ كانَ الناسُ يتساءلون عمّا سيحدُثُ لاحقاً، ما زلتُ أتذكرُ هذهِ الجملةَ: لا خيرَ في أوروكَ سوى الموتِ،
هذا ما كانَ يقوله عبّاسُ المخبّل، وهو جارُنا بصوتٍ عالٍ، ودائماً كانَ يقول: لا تفرحوا حتّى تعرفوا منْ سيحكُمكم، فالقبيلةُ البابلية لم تُخلقْ للفرحِ، وربَّما سيأتيكم يومٌ تترحمون فيهِ على الذئبِ ومرتزقتهِ،
كانَ الناسُ يضحكون مما يقولهُ عبّاسُ المجنونُ، فبدا حكيماً وعارفاً أكثرَ من كونهِ مجنوناً، متسائلينَ هلْ ستأتي منظمةٌ أكثر ذئبيةً من منظمةِ الذئبِ التي بطشتْ بهم،
لمْ يطلْ الأمرُ كثيراً حتّى بدأتِ المفخخاتُ تدخلُ المدنَ وتحصدُ الأرواحَ بالجملةِ بعد عدة سنواتٍ من الاحتلالِ، بدأ الناسُ يُنصتون لما يقولهُ عبوسي المجنون فقدْ باتتْ نبوءاتهُ تتحققُ وكأنهُ يعلمُ علمَ الغيبِ،
أو أنهُ عرّافٌ محترفٌ، وأيَّ شيءٍ ينطقُ بهِ سُرعان َما يتحققُ ويحدُث بعدِ عدَّةِ أيامٍ وكأنَّ هنالكَ ملائكةً تنطقُ على لسانهِ مما جعلَ الناسَ الذين ضحَكوا عليهِ سابقاً يغيّرون رأيَهم،
ورغمَ أنَّني لم أرَ عباسَ في يومٍ من الأيامِ بملابسَ كاملةٍ، وبقيَ يمشي شبهَ عارٍ في طرقِ المدينةِ لكنَّهُ بدا مكتملَ العقلِ بضحكةٍ طفوليةٍ تخلبُ الألبابَ، كان عمّي يقول: عبيِّس ليسَ مجنوناً بلْ رجلاً ذكياً وأكثرَ فطنةً من الكثيرِ منَ المحللين السياسيين الذينَ كانوا قتلةً في زمنِ الذئبِ ..
من أجواء رواية «الشيذمان»
يقول الراوي: «فجأةً شعرتُ بوجودي في عالمٍ آخرَ، وقدِ انفتحتْ بوّابةٌ عظيمةٌ أمامي عَلى مكانٍ واسعٍ، مكانٍ يشابهُ حقلاً كبيراً ولكنهُ ليسِ بحقلٍ، ورأيتُ وجهاً سماوياً مشعاً على جسدٍ طويلٍ بملابسَ بيضاءَ مهيبةٍ، كانَ وجهُ امرأةٍ فاتنةِ الجمالِ،
اقتربتْ منّي وحضَنتْني لتُزيلَ الخوفَ، فأشعرتْني بأنَّني بأمانٍ لكنني بقيتُ مُرتاباً مما يحدثُ لي، ثمّ َقالتْ لي: لا تخفْ يا حبيبي.. أنا قربَكَ، سوفَ لنْ تبقى كثيراً هُنا، سترجعُ، بعدَ قليلٍ سترجعُ، ولكن من أنتِ..
قالتْ: ألمْ تعرفُني، أنظرْ بوجهي جيِّداً،
حينَ ركَّزتُ في وجهِها لمْ أكنْ لأصِّدِقَ ما أراهُ، إنَّها عمّتي سوسن المتوفاة، ابتسمتُ فعانقتُها من جديدٍ بقوةٍ، وكأنني غريقٌ يتشبثُّ بقطعةِ خشبٍ طافيةٍ على سطحِ الماءِ،
فصرختُ : لا تتركيني لوحْدي،
فقالتْ: إنني سأبقى معك يا ولدي حتّى تعود للبيت،
ثمًّ نظرتْ بوجهي بحنانٍ مردِّدةً: لا تخفْ، فأنا معك.
لاحظتُ أنَّ عمّتي كانتْ سالمةً وتمشي بصورةٍ طبيعيةٍ فقدْ كانتْ تعرجُ بِمشيتِها سابقاً، فقدْ أخبرتْني جدّتي أنّها قدْ أصيبتْ بالشللِ في طفولتِها وكانتْ أكثرَ عمّاتي جمالاً، كما أنّ جمالَها كانَ مُذهلاً فهيِ شقراءُ وبشرتُها بيضاءُ، ووجهُها صافٍ ومتوردٍ، وهيَ غيرُ ما كنتُ أراها عَليهِ،
فقدْ كانتْ محروقةَ البشرةِ حيثُ مصَّها المرضُ في آخرِ أيّامِها وسقطتْ أسنانُها، فسألتُها: أينَ أنتِ الآن ياعمّتي ولمَ لا تَرجعينَ إليْنا…»