إبداع

الصخرة السوداء

فاحت رائحة هذه الحكاية في قرية خالية من أية حكاية غريبة

م.راسم الحديثى
Latest posts by م.راسم الحديثى (see all)

على تلك الصخرة السوداء اعتاد أن يجلس، الصخرة التي تداعبها تموجات الماء في مدها وجزرها، لم يبرحها حتى لمسات مغيب الشمس، ليجر أذياله راجعًا بتثاقل إلى غرفته المنفردة عن بيوت أهل القرية الصامتة، غرفة حين تراها تظنها مهجورة من زمان أو مسكن لشيطان.

سلوان، عشريني العمر، كث الشعر، رث الملبس، تُغيّب سمرة وجهه الداكنة تلك التوحيمة السوداء التي تستر الكثير من خده الأيمن. هناك يقضي جلَّ وقته، نهاره طرًا، على تلك الصخرة السوداء ملتصقًا، كعبته من دون منازع، صامتٌ كصخرته لا صاحب له ولا سائل عنه.

هدى.. ما خلاها لا يرى أحدًا، صبية، بثوبها القروي اللاصق على جسدها والملامس لكعبيها، حين يتقوس جسدها كي تملأ جرتها الفخارية بماء النهر وتستقيم بصعوبة وجرتها على كتفها، تودعه بنظرة خاطفة خالية من أية أحاسيس ومشاعر. وعلى هذا النحو، وعلى تلك الرتابة، دامت حكايتهم، بكمٌ ثلاثتهم، سلوان و الصخرة السوداء وهدى.

غياب سلوان و الصخرة السوداء

لكن دوام الحال من المحال، زفّت هدى إلى عش الزوجية الجديد، هناك غابت الجرة عنها وغاب سلوان وصخرته السوداء. وبعد أسبوع وهي تودع والدتها على باب بيتها الجديد، تفاجأت بسلوان أمام البيت وهو يجلس على صخرته،

فصاحت: هو !

قالت أمها: من؟

أجابتها: الولد وصخر ته !

أجابتها أمها باستغراب: لم أر أحدًا، عمود الكهرباء فقط.

خجلت من أمها واعتذرت، تعوذت من الشيطان وقالت لأمها: تخيلت حدثًا كان يحصل لي كل يوم قبل زواجي.

لكنها ارتابت من حالها، هكذا كانت تراه في كل مرة تفتح باب البيت، فتتعوذ من الشيطان وتقرأ بعض الآيات من كتابها المقدس، لكن لا فكاك من هذا المشهد. الغريب في الأمر، والذي جرى لهدى، رؤيته في منامها وصخرته السوداء أسفله، سمعت له صوتًا رخيمًا في أضغاث أحلام، لم تسمعه من قبل. والأنكى من هذا ومن ذاك، ما حصل لها أخيرًا وهي تراه في وجه زوجها وهو يقضي لحظاته الحميمية معها وعلى فراش الزوجية.

الطفل والحكاية الغريبة

تمر الأيام والأشهر وتدور السنون، لتبشرها مولدتها بذكرٍ، بصبي أسمر اللون، ابتهجت، انحنت كي تقبله ففزت حين رأت تلك التوحيمة السوداء تغطي جلَّ خده الأيمن، سحبت نفسها لتدوخ في أمر ما حصل، أغمضت عينيها وغابت في خيال بعيد لا حدود له.

فاحت رائحة هذه الحكاية في قرية خالية من أية حكاية غريبة، لتقضي النسوة أجمل الأمسيات في حدث وحكاية جديدة كانت مبررًا لقاءهن، وتحت ضغط القيل والقال، حمل الأب بِكره إلى المستشفى ليتأكد أن (دي إن أي) لهذا الطفل لا علاقة له به.

طلقت هدى، وعادت إلى بيتها مع أمها الأرملة، وعادت إلى عادتها القديمة وجرتها الفخارية على كتفها وطفلها يتدحرج لاهيًا خلفها، وسلوان وصخرته السوداء في مكانهما. سيق سلوان من قِبل الشرطة عنوة إلى المستشفى للتأكد مما حصل، لم يتبين أية علاقة بين (دي إن أي) الطفل وسلوان.

ولكن الغريب في الأمر وما جلب انتباه أهل القرية طرًا، تعلق هذا الطفل بسلوان، يداعبه، يرش الماء عليه وينثر الحصى على رأسه، وسلوان فرح به وبالتوحيمة التي يراها على خده.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى