
- القراءة تنير العقل وتغذي الروح - 19 فبراير، 2023
القراءة في الكتب والصحف والمجلات أو عبر شبكة الإنترنت تضيء مضائق الأذهان وتحول العتمة إلى نور وتمنحنا النشاط الذهني وجرعات من العلم والمعرفة وتعطينا نوراً وبهاء وسط الظلمة الحالكة وتصوب خطواتنا وتجعلنا نزن الأمور بقسطاس الحكمة والتبصر .
فالكتاب له بصمة عزيزة في قلوب العامة والمبدعين وهو غذاء للروح والعقل والقلب، وكلما كانت هناك قطيعة مع الكتاب، كلما تفشت فيروسات الجهل وتوطن التخلف في أعماق الإنسان.
أهمية القراءة
المقالة التي بين أيدينا تبين: أهمية القراءة، والعوامل التي أدت إلى عزوف الشباب والناشئة عن القراءة، والسبل المؤدية إلى تشجيع هواية حب القراءة .
غايتنا تنوير العقل وزرع شتلات المعرفة وخلق عروة وثقى مع القراءة والكتاب .
القراءة الفطنة توسع المدارك وتفتح آفاق الإبداع وتطور ملكة الخلق والإبداع وتنير العقول وتطرد العتمة والجهل وتكشف الأغطية عن دماملنا وتساعد على خلق الأمل في النفوس والعقول في الفضاء الكالح والكئيب وحل المشكلات التي تنهش عضد المجتمع .
أولاً: القراءة مدماك رصين للإبداع
المبدعون يعيشون في خلوة دائمة يغوصون في بطون الكتب ويقرؤون بنهم منقطع النظير .
فالخليل بن أحمد الفراهيدي، أحــد شوامخ اللغة العربية، كانت زوجته تشتاط غضباً من خلوته العلمية وتدخل معه في ملاسنات لفظية وخصام صريح .
وعالم الاجتماع عبد الرحمن بن خلدون منـذُ نعومة أظافره تطبع على القراءة فحـفظ القـرآن (وجـوّده بالقراءات السبع)، وقـرأ أمهات كتـب الفقــه واللــغة والتاريخ والثقافة في عصــره، وصــرف وقتاً ثميناً في الدرس والقراءة واعتزل الحياة في (قلعة بن سلامة) بالجزائر، لتأليف كتابه الشهير (مقــدمة ابن خـلـدون).
والمبدع بلزاك، كان يقرأ في اليوم الواحد 15 ساعة، وصاحب رواية (مدام كوري) فلوبير، كان يقرأ 12 ساعــة. والشاعر جبران خليل جبران كان يقضي سحابة يومه في القـراءة .
والفيلسوف ديكارت كان يمتعض من أصحاب العبارات الدخانية الذين يثقبون جدار صمتــه؛ فينتقل بخفة من مكتبة إلى أخرى ومن مهجـع إلى آخر، ويتعمد المرور في الشوارع الخلفية المظلمة يبحث عن مساحة صمــت، كما كان يفعل الروائي المغربي محمد شكري في شوارع طنجــة .
تقييم الفرد بالقراءة
وعندما سُــئل أحــد المفكرين اليونانيين عن كيفية تقييـم الفـرد قال: ســأسأله؛ كم عدد الكتب التي قرأتها؟ وما نوعية هذه الكتب؟
أما مفكر الثورة الفرنسية فرانسوا فولتير – عندما سُئـل من سيقود المجتمعات البشرية؟ أجاب: «الذين يعرفون كيف يقرؤون ويكتبون»، ومن شــدة شغفه بالقراءة قرأ فولتير رواية (ألف ليلة وليلة) 16 مرة.
كان أحــد رؤوساء الولايات المتحدة الأمريكية مشغوفاً بالقراءة إلى درجة استغلال الثواني والدقائق في فترات المقابلات الشخصية والرسمية معه، فعند خروج الأفراد من مكتبه ينتهـز فرصة للـقــراءة.
وعالم الفيزياء العربي د. محمد النشائي، عندما ترك مجال الهندسة والإنشاءات التي كانت تدر عليه ثروة من المال، سأله الســير بوندي ذات يوم قائلاً: «هل تتــرك كل هذه الأموال من أجل العلم فكانت الإجابـة بنعم؛ لأن العلم أهم مصادر متعتـي في الحيــــاة، كما أنه لم يــعــد لدي الرغبــة في جمــــع المزيــد مــن المال».
القراءة والثقافة
فالقراءة تؤدي إلى خلق ثقافة رصينــة ووعــي متبصــــر ولا نستطيع أن نتصور أن عالماً أو أديباً أو مفكراً بزغ في فضــاء الإبداع دون أن يرتبط بعروة وثقــى بالكتاب والمكتبات دون أن يرضع من ثـدي المعرفة والعلم، دون أن يغوص في بطون الكتب وتأكل عينيه المجلدات والوثائق العلمية، دون أن تحترق أعصابه وخلايا مخــه من القراءة والدرس.
يقول الروائي المصري جمال الغيطاني: أن الشيء الوحيد الذي أنفق عليه بسخاء وبلا تردد؛ الكتـب، ربما أتردد في شراء الملابس، وحتى المأكل، أما الكتب فلا أحسب لها حساباً. ىفـمن مصلحة الأمـة نشــر العلم وثقافـة القراءة، فالعـلم ضروري «كالماء والهواء« حســب تعبير د. طــه حســين.
فالمفكر والمثقف والمنور اليمني محمد علي لقمان، بلغ مرتبة عالية من الثقافة إلى جانب علو كعبه في الصحافة والتنوير وحـذق اللسان الأجنبية (الإنجليزية والهندية)، في طـور باكر من حياته قـــرأ كتاب (معجم البـــلدان) لياقــوت الحموي، وتاريخ ابن الأثير وتاريخ خلكان، ومئات القصــص؛ عنترة بن شداد العبسي، وسيف بن ذي يزن، والأميرة ذات الهمة، وما لا يقل عن 300 رواية من روايات اللص الظريف فضلاً عن قراءته النابهة للشريعة الإسلامية والقرآن والفقه واللغة، وكان خطيباً مفوهاً في المساجد، ففي العاشرة من عمره حفظ المعلقات وقرأ بنهم منقطع النظير لابن عربي والغزالي وابن رشــد ولأئمة الصوفية.
كيف يخلق المبدع النص؟
فالمبدع يخلق نصه الأدبي والفني بعد قراءات عميقة ورصينة وبعد أن يتشبع بالموضوع وشرب كؤوساً من المرارات والعذابات والمعاناة الوجدانية وبعد أن يتعرض لسلسـلة من الاضطرابات والتوترات العقلية والنفسية. فالمبدع شخصية حساسة، وعلى حــد تعبــير الشاعر صلاح عبد الصبور: «إن الفنانيـــــن والفئران هم أكثر الكائنات استشعاراً للخطــر، ولكن الفئران حين تشعر بالخطر تعود لتلقي بنفسها في البحر هرباً من السفينة الغارقة، أما الفنانون فإنهم يظلون يقرعــــون الأجراس، ويصرخون بملء الفــم حتى ينقــذوا السفيــنة أو يغرقوا معها».
فالقراءة عنوان بارز في حياة المجتمعات المتمدنة، ولا يمكن أن تخرج من أعطاف حياتنا الإبداعية، شخصيات متميزة لها بصمات عزيزة في فضائنا الثقافي دون أن تكون قـــد أدمنــت القــراءة والكتابة. فالإبداع الأدبي والفني دون قراءة لبيبة وثاقبة ودون معاناة حقيقة ضرب من السذاجة والبلادة التي تفسد الذوق العام والفضاء الجمالي والتذوقي.
إنتاج الكيف وليس الكم
وهناك ملاحظة لا بد من الجهر بها؛ أن نزراً من المبدعين «يحملون حملاً كاذباً»، على حــد تعبير الشاعر نزار قباني، ويلهثون وراء الإنتاج الكمي وخلف الشهرة والأضواء الكاذبة، فينتجون إنتاجاً فنياً هابطاً لا ينمي التذوق الجمالي والفني والموسيقي والأخلاقي للجماهير.
فلا بد من القراءة الفاحصة والنقــد المتزن، ولا بـد من التريث في خلق النص الأدبي والفني، حتى لا ينتج شعراً أو فناً بليداً مشوهاً للأذواق.
فالشاعر التميمي، قال في حياته بيتاً شعرياً واحداً فخلده التاريخ.
ابن زريق البغدادي، قال قصيدة واحدة في حياته، فأشرق في ذاكرة الزمن.
الأمام محمد البخاري، ظل يبحث عن صحة حديث نبوي شريف لمدة 20 سنة.
سليمان البستاني، ترجم الألياذة لهوميروس إلى العربية عام 1904م وقضى 20 سنة يدرس اللغة اليونانية لترجمة (الإلياذة).
حسن عثمان، صرف 20 سنه من حياته لترجمة (الكوميديا الإلهيــة) لدانتي من اللغة الإيطالية القديمة إلى اللغة العربية.
كارل ماركس، لكي يصدر حكماً على المشاعيـة البدائية في روسيا (عنــــــدما سـئـُـل عنها)، قام بدراسة اللغة الروسية لكي يقرأ النص بالروسية ويقول حُكمــاً في المشاعية البدائية.
ماكس فيبر، عالم الاجتماع الألماني، لكي يعرف شيئاً عن الثورة الروسية 1905م، قام بتعلم اللغة الروسية لكي يقرأ ويتابع ماذا يحدث في روسيا.
الفنان الكبير محمد عبد الوهاب، كان دقيقاً في أعماله الفنيــة، يحب القراءة والدرس ودقيق في أعمالة إلى درجة الوسواس.
الروائي العربي نجيب محفوظ، مشهور بقراءاته الرصينة ودقة عمله وتحكمه بالوقت، تعلم الفرنسية لكي يقرأ لمارسيل بروست، رواية (البحث عن الزمن الضائع)، فضلاً عن إجادته اللغة الإنجليزية.
القراءة إيقاع يومي لدى المبدعين
فالقراءة والكتابة والتمدرس عنوان بارز من إيقاعات الحياة اليومية للمبدعين. يقول الروائي المغربي محمد شكري، صاحب رواية (الخــبز الحافــي): «أكتب لأنظف نفسي من شهواتها، ولو أنني لم أكتب لكنت الآن ميتاً أو عجوزاً بشكل قبيح، أو مجنوناً لأن الجنون يأتي أغلبه عن عبقرية. فالكتابة ومعها القراءة أنقذاني من الانتحار، أو التدمير الذاتي لنفسي».
وتقول الكاتبة المصرية نوال السعداوي: «أكتب لأن الكتابة هي الهواء الذي يدخل إلى صدري، فيبقيني على قيــد الحياة. أكتب لأن الكتابة هي لـذتي الكبرى ومتعتـي القصــوى».
ومن يقرأ يشعر بعطش دائم للقراءة وتتراكم لديه المعارف والصور والتخيلات وتتجدد الأفكار وتنجلي الغشاوات الفكرية والروحية وينفجر ينبوع الإبداع فيكتب ويكتب ويعبر عن خلجات نفسه عن تصالحه وتخاصمه مع العالم وعن استيائه من البشر، على الطريقة التي عبر بها الروائي العالمي التركي أورهان ما بوق، في حفل تسلمه جائزة نوبل للآداب عام 2006 م، حيث يقول: «أكتب لأني مســتاء منكم جميعاً ومســتاء من العالم كله. أكتب لأنه يحلو لـي أن أنزوي في غرفة ما طوال النهار. أكتب لأني لا أقــدر على تحمل الواقع إلا بتغييره. أكتب كي يعرف العالم أجمــــع أي نوع من الحياة عشنــــاه ونعيشـــــــــه الآن، أنا والآخرون. أكتب لأني أعشــــق رائحـة الورق والمداد. أكتب لأني أؤمن بالأدب وبفن الرواية قبل كل شيء. أكتب لأن الكتابة عادة وشغف. أكتب مخافة أن يلفني النسيان. أكتب لأني أســتلذ الشهرة والنفع اللذين تجلبهما لي الكتابة. أكتب كي أكون وحدي. أكتب آملاً أن أفهم لماذا أنا مستاء منكم ومن العالم إلى هـذا الحــد. أكتب لأنه يطيب لي أن يقرأني الناس. أكتب وأنا أقول في سري: لا بـد لي من أن أنهي هذه الرواية وهذه الصفحة التي بدأتها. أكتب وأنا أردد: هــذا ما ينتظره الناس مني. أكتب لأني أؤمن مثل كل طفل بخلود المكتبات والموضع الذي ستحتله كتبي فيها. أكتب لأن الحياة والعالم وكل ما في الوجود جميل ومدهش على نحو لا يصدق. أكتب لأنه من الممتع التعبير بالكلمات عن بهاء الحياة وغناها. أكتب لا لكي أحكي قصصــاً بل لكي أصوغها. أكتب لكي أتخلص من الشعور بالعجز عن الوصول إلى الذي أصبو إليه مثلما يحدث في الأحلام. أكتب لأني لا أستطيع أن أكون سعيداً مهما فعلت. أكتب لكي أكون ســـعـيداً».
للحديث بقية..