إبداع

«الكمامة الزرقاء».. رسائل الفيروس إلى الناس!

«أسامة إبراهيم» واكب الحدث الذي ما زال مستمرًا يحتاط منه الجميع

عماد الدعمي

أن تغوص في النفس البشرية لتعرف الحقائق فهو أمرٌ صعبٌ وللغاية لاختلاف الأجناس والبيئة والعقيدة والدم والعرق.

 ولأن هذا الجرم الصغير الذي انطوى العالم الأكبر فيه؛ فليس من السهل الإبحار للوصول إلى المرسى، ولكن الأحداث والمجريات والتجارب الحياتية قد تظهر لك الكثير مما تريد معرفته.

حدث لم يشهده العالم من قبل

 والكل يعي ما واجه العالم جميعًا من فايروس خطير لم يشهده التاريخ العالمي من قبل وهو فايروس كورونا الذي أرعب العالم وجعل البشرية في ذهول من هذا الخطر الذي أبعد الأب عن ابنه وبالعكس والأم عن ولدها، والأخلاء تنافروا بعيدًا خوفًا من الموت، وقد وصل بنا الأمر أن يدفن فقيدنا ونحن لا نشيعه.

وكان لا بد للكاتب والأديب أن يتصدى لذلك ويدون القصص والروايات والأحداث التي وقعت وما زالت مستمرة لأن الكاتب ابن بيئته يتأثر بما يدور حوله..

 وقد جسَّد القاص أسامة إبراهيم ذلك في قصص واقعية حدثت وربما هناك قصص خيالية استوحاها من الخيال لكنها لم تبتعد عما يجري على كوكب الأرض وذلك أمرٌ يُحسب له،

لأنه واكب الأحداث وعبَّر عنها بطريقة القصص القصيرة التي لم تخلُ من الضربات الحادة ذات الأثر الكبير على المتلقي.

18 قصة في «الكمامة الزرقاء»

 فقد ورد في مجموعته القصصية «الكمامة الزرقاء» 18 قصة بعناوين مختلفة منها (تنفس صناعي، سياحة في إيطاليا، العالم بعد 100 عام، سقوط مؤذن، وسوسة الموسوس، المريض المتجول، عائد من الموت،….)

وإذا ما وقفنا على القصة القصيرة وهي أحد فنون النثر والتي تُعد من أصعب الفنون النثرية لأن القاص فيها يجب أن يتمتع بلغة قوية مؤثرة مع عدد قليل من الشخصيات ونهاية مفاجئة، وأن تكون محبوكة البناء مع الصراع الذي يشمل المعاناة والمحافظة على الفكرة .

ونحن نرى القاص أسامة قد استوفى ما ذكرناه ما يؤهله أن يكون على قدر المسؤولية، وقد اختار الأحداث بعناية، ويُحسب له أنه واكب الحدث فما زال الحدث مستمرًا يحتاط منه الجميع .

وقد جسَّد في قصة (حظر تجول منزلي) سيطرة الزوجة على زوجها رغم أننا نرى المبالغة في ذلك وخاصة ونحن في مجتمعات شرقية قد لا تقبل بذلك الهوان حينما تقوم الزوجة بضربه على رأسه بسبب خروجه خوفًا عليه من الوباء،

وجسَّد في قصة (هستريا) النزعات الإنسانية في ظل الفايروس وما أحدثه من تقلبات في الحياة الأسرية في عموم العالم..

واستطاع أن يكشف لنا النوايا الحقيقية للناس من خلال قصة (تنفس صناعي) بعد انهيار الأولاد التسعة وتقاتلهم على الميراث، وهم ينظرون أباهم يحتضر بسبب الفايروس

(فكر الابن الأكبر في أن الثروة والميراث والعقارات التي يطمع فيها أخوته لا معنى لها، إذا كانت الحياة برمتها يرتبط مصيرها بجهاز تنفس صناعي، فهي لا تستحق أن نبكي عليها)

وكان أروع ما في القصة أنهم كانوا يدخلون على أبيهم ليسألوه عن العقارات والأموال ولا يبالون لحاله وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة وهو ينظر لهم لا غير ويتأسف..

 (نظر الأب المريض إلى ابنه آسفًا ثم لفظ أنفاسه الأخيرة، ولم تفلح محاولات الطاقم الطبي في إنقاذه، لكن شاء الله أن يموت بالسكتة القلبية وليس كورونا)

القصة الأروع في المجموعة

ونحن نرى أن هذه القصة هي الأروع لما ورد في المجموعة، وقد أجاد في قصة (الطبيب الغائب) الذي توفى بالفايروس ولم يخبروا والده المسكين الذي عانى ما عانى من أجل إيصال ولده لهذه المنزلة،

وقد نجح القاص في تصوير الحال المضني للكاسب الذي لا يملك راتبًا في ظل الحظر وهي رسالة مهمة للسلطات والحكومات لكي يوفروا ولو ما يسد رمق الفقراء الذين يعملون من أجل قوتهم اليومي

وفي قصة (حالة دراسية) أظهر القاص بشاعة تصرف أحد الأطباء وهو يشرح لطلابه محاضرة عن الفايروس ويستخدم المصاب للشرح رغم ما يعانيه من وجع وموت مؤكد،

وهي ظاهرة سلبية كشف من خلالها فقدان الرحمة لدى بعض الأطباء ممن اتخذوا من الإنسان حقلًا للتجارب في ظل جائحة كورونا.

حالات اليأس والخوف من كورونا

 وقد وقف كثيرًا في قصصه على حالات اليأس والخوف الذي عانته الناس من الفايروس

فقال في قصة (المريض المتجول): »منذ سنين طويلة وأنا أعاني من تفاصيل هذه الحياة الوهمية ولن يخسر العالم شيئا إذا أشرقت الشمس غدا ولم أكن أنا وأنت أو كل العالم تحتها،

كم من البشر غابوا تحت الأرض ودخلوا دائرة النسيان ولم يهتز الكون، لسوف أسير نحو قبري مسرورًا، لن أترك وصية..»

وقعت المجموعة القصصية في 130 صفحة وطُبعت بدار النخبة للنشر والتوزيع بمصر العربية، مبارك للمؤلف وإلى مزيد من التألق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى