حول العالم

«المتاهات» انعطافة جديدة في معالم الرواية العربية

«برهان شاوي» يعيد تشكيل وقائع الحياة القاسية بشكل جمالي

الباحثة والناقدة الدكتورة مسار غازي، تكتب عن «المتاهات» للروائي والشاعر العراقي الكبير د. برهان شاوي تقول: ربما من نافل القول التأكيد بأن الرواية هي خطاب اجتماعي ونفسي وتاريخي لأي شعب أو مجتمع في لحظته التاريخية المعنية.

 وهذا لا يعني بأنها الوحيدة في ذلك، وإنما هي الأقدر من بين الأشكال الفنية والأدبية على التقاط تفاصيل الحياة اليومية واحتضان الأنغام المتنافرة لإيقاع عصرها المتغير، لذا صارت الرواية نصًا قادرًا على توثيق لحظتها التاريخية، بكل ما فيها من تفكك واضطراب واهتزاز للثوابت والايديولوجيات والبنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

 وهي بذلك تقوم بتشكيل ليس الوعي وحده وإنما الوعي المضاد لكل الثوابت، هذا الوعي الذي يستعيد العالم بوساطته الأسئلة للذات الفردية والجمعية مؤكدة على إدراك الوجود ووعي الحياة. وهذه النظرة للرواية يمكن سحبها وتطبيقها على النتاج الروائي العالمي كله. بما في ذلك الرواية العربية بشكل عام والعراقية بشكل خاص.

المتاهات تجسيد لمفهوم الرواية الشامل

وهنا، في وقفتنا هذه، نجد أن الشاعر والروائي والباحث العراقي برهان شاوي في روايته المسلسلة «المتاهات» يجسّد الفهم الشامل لمفهوم الرواية باعتبارها خطابًا تاريخيًا ونفسيًا ومعرفيًا.
ولا أغالي إذا ما قلت بأن «المتاهات» تشكل انعطافة جديدة في معالم الرواية العراقية الحديثة، فقد جاءت مكتظة بأسئلة الوجود والحياة والمعنى الكامن فيها، وإعادة قراءة المراحل التاريخية التي مرت بها العراق، والمنطقة، بل هي تعيد قراءة المقدس الديني بدءًا من أسطورة خلق آدم وتجلياتها في الأديان مرورًا بإشكالية الخطيئة والخير والشر، وتجليات الرغبة في انفلاتها وفي كبتها بحيث تتفجر إلى أفعال عنف وتدمير وأذى نفسي وجسدي، مرورًا بكل التاريخ الروحي للإنسان.

يحاول الروائي برهان شاوي في روايته المسلسلة «المتاهات» إعادة تشكيل وقائع الحياة القاسية والفجة بشكل جمالي، واقتناص لحظات الاختلاف بين الحياة الواقعية وبين إعادة تشكيل روايتها أدبيًا.

وقد اعتمد الكاتب في متاهاته التسع (متاهة آدم/ متاهة حواء/ متاهة قابيل/ متاهة الأشباح/ متاهة إبليس/ متاهة الأرواح المنسية/ متاهة العدم العظيم)، كما نوه الباحثون فيها، على تقنية دمية (الماتروشكا) الروسية وكذلك الصندوق الصيني، حيث تتداخل الروايات ليس على طريقة ألف ليلة وليلة، حيث تروي شهر زاد رواياتها المتداخلة والمختلفة، وإنما تتداخل الروايات هنا لتعيد نفسها في زمان ومكان مختلف، وبأسماء شخصيات جديدة، لكنها تعيد دورة الأشياء البشرية وجوهر الأحداث نفسها.

ومن الناحية الجمالية والمعرفية فهي روايات تحتفي بالشك وتحنو على الإيمان العميق الذي لا بد أن يقود إلى شك جديد.

كشوفات نفسية عميقة في متاهات برهان شاوي

«المتاهات» سلسلة روائية تكشف عن عمق سوء الفهم بين البشر الذي يقود إلى الفاجعة في أغلب الأحيان، وهي لا تهاب الكشف عن الغرائز الجامحة، وعن الحب المحاصر بالنوايا المريبة، ومن هنا فهي تنطوي على كشوفات نفسية جريئة لأعماق الإنسان ورغباته الدفينة ومواجهة صريحة معها، حيث يتداخل المرئي واللا مرئي، الواقعي والسحري، الجنسي والسياسي.

ربما من الناحية الأدبية يمكن التوقف عند هذه الرواية الملحمية التي تحمل سمات التجديد في السرد الروائي بأنها تضم 304 شخصية روائية، بينها 119 حواء و 185 آدم، حيث تحمل كل الشخصيات النسوية اسم (حواء) أو (إيفا) إذا ما كانت أوربية أو مسيحية، و185تحمل كل الشخصيات الذكورية اسم (آدم)، ونادرًا اسم (قابيل) أو (هابيل) وهذه تجربة جديدة في السرد الروائي.

«المتاهات» روايات عن الإنسان في متاهة النفس ومتاهة الوجود، روايات فلسفية، نفسية، تاريخية، تحتفي بالشك واللايقين لتأكيد متاهة الإنسان في هذا الوجود، ويمكن التوقف عند (حواء الكرخي) في «متاهة إبليس» حين تبوح قائلة: «أنا حواء الكرخي ، أشك في كل شيء.. طمأنينة اليقين تخيفني، بينما قلق الشك يمنحني الطمأنينة.. الشك هو الذي يقودني إلى الحقيقة، لكن الحقيقة متاهة.. متاهة تفضي إلى شك جديد.. نعم الحقيقة هي متاهة صامتة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى