
- «مثلث الموت» أحداث حقيقية في أماكن خيالية - 11 سبتمبر، 2020
- لا للنقد الهادم.. نعم للنقد الهادف! - 9 أغسطس، 2020
- قصة غرائبية أبطالها بلا رؤوس! - 14 يوليو، 2020
انتابه القلق لحظة سماعه خبر استدعائه إلى مقر الحزب.. لم ينم، كل الأفكار السيئة دارت في مخيلته.. استرجع حتى الأجزاء البسيطة مما سبق في حياته بحثًا عن السبب..
كانت حياته عادية وبعيدة كل البعد عن السائد والمتعارف والمألوف.. بين أوراقه وزجاجة الخمر المحلية الرخيصة، ينهي يومه.. بعد وصوله صباحًا.. كانت الوجوه تتطلع له باستغراب كونه لم يعتد المجيء إلى هذا المكان.. المسؤول مشغول حسب ما قيل له.. الانتظار صعب جدًا وهو يحاول أن يجد سببًا لهذا الاستدعاء..
بعد بحث طويل لم يجد في سجله سوى زجاجاته التي كان يخفيها بين أكياس الخضراوات عند عودته إلى البيت وذاك الجسد الذي يغوص بين أجزائه ليبتعد عن الحياة.. كان يسلك الطرق البعيدة والحواري الأخرى كي لا يكشفه أحد.. لم تكن جميلة ولم يميزها عن النساء شيء لكنها سجلت لها موقفًا داخل أوراقه وأصبحت ملاذه الخفي حينما تعرَّف عليها في إحدى السيارات قد جلست مصادفة بجواره..
السؤال عن سبب الاستدعاء
تمضي اللحظات ببطء شديد، يستعرض حياته بأكملها هذا اليوم.. أفزعه نداء صانع الشاي الذي سأله إن كان يريد قدح الشاي، حرك رأسه بالقبول لتكون فرصة لاستدراج الرجل والسؤال عن سبب هذا الاستدعاء .. وضع الشاي أمامه، أحس بالخوف من السؤال لكنه استجمع قواه، فطلب منه الجلوس إلى جواره ففعل وبعد حديث عن الشاي سأله عن سبب الاستدعاء.
توقَّف الرجل ونظر إليه نظرة طويلة، فهز رأسه وتركه لوحده بين ظنونه جالسًا على مصطبة من الخشب يتفحص بعينيه كل أجزاء المكان، المدخل الكبير، الأبواب العالية والغرف المغلقة، وأبراج الحراس التي تحيط بالأركان الأربعة، لينتقل إلى تلك الغرفة التي ليست كباقي الغرف لأن بابها قضبان من حديد وعليها قفل كبير..
لم تكن تكهنات بل حقيقة أنه سجن.. يرفع رأسه للسماء كان ينظر إلى فتحة في وسط البناية عسى أن ينزل المطر منها ليغسل بقايا الخمر ويمسح عن بدنه تلك اللمسات العفنة التي تركتها عشيقته.. ألا من مغفرة عند رب المصلين يردد بمضض..غير جلسته كثيرًا ليداهمه التعب.. قاوم نعاسه لكنه لم يستطع، يرجع رأسه متكئ على الحائط خلفه ليغط في نوم عميق..
نوم طويل
بحث بين خبايا حياته، لم يجد سوى أكداس من الورق، وحكايات تلوذ بين طياتها، وتلك الغرفة التي لم يرتبها منذ زمن، بقايا الزجاجات الفارغة ورائحتها الكريهة التي اعتاد عليها وهي تعج في المكان، العودة إلى دهاليز حياته لم يكملها نداء صاحب الشاي للدخول إلى غرفة المسؤول.. قدماه لا تقوى على حمله ويداه ترتجفان وقلبه يخفق وهو يقف أمام ذلك الرجل الذي يرتدي الزيتوني ويلف رأسه بيشماغ أحمر، وهو يتحدث كان يضع يده على مسدسه، بعد وابل من الشتائم والسب.
أمر بربط عينيه لنقله إلى المحكمة بتهمة لف زجاجة الخمر بصحيفة تحمل صورة الرئيس، لم يتمالك أعصابه فأغشي عليه من الصدمة.. بعد أن فتح عينيه على صوت سيارات موكب المسؤول وهو يغادر البناية.. نظر إلى صاحب الشاي الذي يخبره أنه نام طويلًا، والمسؤول لم يطلبه وعليه أن يرجع إلى داره.
قصة قصيرة من مجموعة «جذور عنيدة» الصادرة عن دار النخبة.