
تحت عنوان صدرت المجموعة الشعرية «أين سرى وجهي الجديد في القدم» للشاعر مصطفى محمد غريب كتب نضال صبيح مبارك في جريدة «أخبار العراق» عن المجموعة..
وجاء في المقال:
صدرت عن دار النخبة للطباعة والنشر والتوزيع المصرية المجموعة الشعرية «أين سرى وجهي الجديد في القدم» وهي تضم (56 ) قصيدة موزعة في اتجاهات عديدة لها ارتباط جذري بالواقع الإنساني الحياتي وبين الاهتمامات الوطنية والطبقية.
تنوع التفعيلة في الديوان
ومن خلال تصفح المجموعة ظهرت قصائد في طور آخر يختلف عن القصائد التي جاءت في مجموعات سابقة، التطورات التي طغت على مجموعة «أين سرى وجهي الجديد في القدم» هي تنوع في وجهة قصيدة التفعيلة وحتى العمودية في تناولها في قضية الوطن وتعرية التوجهات الداعية للأصولية أوالسلفية.
إيجابية جوهر النص
من خلال التنقل بين القصائد التي امتدت على ( 152 ) صفحة من الحجم الوسط، نجد التطورات الحاصلة في جوهر القصائد في مناحيها التي تحاول إضفاء روح من الشفافية الشعرية والتطور في مجريات اللغة للوصول إلى إيجابية جوهر النص وإبداعاته.
فقصيدة (المستجد كورونا) نجد الترابط العضوي بين مفردات تبتعد عن السرد الشعري المتخصص بموضوع الجائحة التي غزت المعمورة بقسوة متجاوزة الحدود الجغرافية مهددة بواقع التدني العلمي في الحصول على الإنقاذ
(مغلقة هي الطرق / مركونة النوافذ الشرقية في الشمال والجنوب/ وكانت النوافذ الغربية في الضباب/ مخطوطة بالطين).
لقد كتبت التواريخ البشرية على ألواح من الطين وفخرت وذكرت فناء الأمم حيث بقت الأطلال من المدن اكتشفت بفعل التنقيب عن الآثار تدل على الحضارات هو تدرج عقلية العلم الإنساني.
نماذج من القصائد
(كيف ترى الأفق؟ / كما الطرق/ كما الجبال العاصية بلا شجر! / أو شحة الأنهار في الشتاء والربيع / أو رجعة الأموات في الأحياء كالموتى يصيحون النجاة/ أم أنها التوريث! / أهي السبيل للضجيج! / ” إذاً هو التوريث في عقدية الفناء الذي جابه الإنسان وما زال يعيشه بقلق مشروع يسعى بكل السبل لإيجاد المخرج.
(كيف النزوح! / أهو الصريخ! / كيف السبيل إلى الخروج! / من ظلمة التهريج! / كيف تراها قائمة / كورونة الفقر الجديد / أهو انغلاق! / أم انفتاحٌ مغلقٌ بلا جوابْ).
وأخيراً يصل جوهر النص في الجواب بدلاً من الاستفسار (العالم القديم ينهارْ في عالم الفخار والتلقيح).
نعم العالم القديم ينهار بلا شك ولا يستطيع المقاومة الطويلة وخير مثال ما فعلته الجائحة كورونا من كشف عيوب العالم القديم الرأسمالي الذي يظهر عنجهية القوة والسلاح بما فيها السلاح النووي.
هكذا يتناول النص القلق الإنساني الجديد على مصير الإنسان وهو قلق يضاف إلى محن الحروب والأسلحة المدمرة بكل أنواعها إلى جانب الجوع والفقر والعوز والبطالة المنتشرة في ظل نظام جائر بحق الإنسان.
بقايا أنهر الدمع في ليل السقم
الانتقال من نص إلى آخر يحتاج إلى الوصول لتحليل معاني المفردات وتحليل التجريد في الإشارة، ولهذا نأخذ قصيدة (بقايا أنهر الدمع في ليل السقم).
(هو لوحٌ مكتوبٌ، بهِ سفن الصحراء في المنفى / عصافير تموت من الظمأ / وتلوح أشرعة بالريح ترقص كي يذكرها الفرج / كانت الأنهار زخم من رواء / جفت في الجفاف حسرات ضفاف/ بأمر غولات الحدود من الحقد الكظيم / كان نهرٌ هنا، وله ضفتان / وأمٌّ سماويةٌ أرضعتهُ السحابَ المُقطّر/ ونهرٌ صغيرٌ بسيرْ/ باتجاه المراعي والحقول/ نهران مهران أصبحنا خطا رهانْ).
النص يتناول محنة العراق المائية بعد أن أغلقت أو غيرت حوالي 45 نهر وجدول إيران وحولت مياه المبازل إلى الأراضي العراقية، ثم قيام تركيا ببناء السدود وآخرها سد اسو على دجلة والفرات.
(ألا يا ليت الحزن مأخوذ من البراعم! / ينمو ثم يقوى من الندرة!/ لكنما، هيهات الخرف فكرة / زوايا من فرح هارب / ونوحٌ ساطع الفطرة / إلا إذا رقصت عمائم من التخريف…!
وينتهي النص بعد أن يبين جوهر الفكرة (كان هنا نهران من عهد به عبرة / يجفان من صنم مفروض في حسرة / يجفان من غبرة وأفكار من الزفرةْ).
حب الوطن في قصائد المجموعة
تستمر القصائد في كشف المشاعر الفياضة في حب الناس من قصيدة (رجاء التأمل) وحتى آخر 56 قصيدة (فيك العلامة)
(يا عراقي / كنت لا انساك / من فرط جنوني / وامتحاني في عيوني / وانطباعي/ في اتخاذك بلسما / صار وقتا من شجوني).
وتستمر القصيدة في كشف تداعيات حب الوطن (يا عراقي / وأنا فيك العلامة واليقين / وعلى وجهي الوضوح / وأنا فيك التحدي والسطوع / يا عراقي / يا يسوعْ).
الاختصار أصبح ضرورياً لإنهاء هذا الاستعراض البسيط؛ ففي كل قصيدة تفعيلة أو قافية موضوع يناقش أهم القضايا العقدية التي تمر في العراق وبما أننا ليس من باب النقد الشعري فنكتفي بذكر القصيدة التي هي عنوان المجموعة:
أين سرى وجهي الجديد في القدم
أين سرى وجهي الجديد في النحيب /
في لجة الزحمة والضجيج /
في زلة اللسان بالزمان والقدر /
شوارع الأنهار فيه هائجاتٌ من ثغاءْ؟ /
أين سرى وجهي من علة الفراق /
والعالم المخبول يركض من وباء/
القصيدة معاناة عصرية في سبر الالتصاق وعدم الهروب.
ما زلت أتقن الخروج حافيا دون غطاء/
حتى إذا نكل القريب/
ما زال وجهي كالجواد/
يهب في هجيرة الضباب/
وينتقي الفصول في روعة من التعبير/
ما زال وجهي في الغبار/
مستلهما صور المسير/
متحديا في جزء من شموخه إشارة النذير/
أين سرى وجهي الجديد في القدم/
وجهي الذي صار نديما في المنافي.
متاهات الغربة
وتستمر التداعيات حول متاهات الغربة والقلق من أجل إحياء الطريق وعدم النكوص:
(ولا الطريق للأصيل / لكنه بقى كعهده المنوال/ يحلم للوراء بالحدود).
ويبقى الأمل التي تنفرد به المجموعة في الوصول إلى الطريق وعبر الحدود ولكن ما جرى من مآسي دمر اللحظة.
بقى القول أن جمالية لوحة الغلاف الأمامي تدل على القهر الإنساني وهي المعبرة عن جوهر المواضيع المطروحة في استكمال الـ 15 من دواوين شعرية صدرت في بلدان عربية وأوربية والعراق كما للشاعر عدة روايات وقصص قصيرة.