«بغداد_نيويورك» .. بين الأسلوب الروائي وكتابة المذكرات
هجرة قسرية من الوطن إلى مجتمع غريب طلبًا للأمن والأمان

- «بغداد_نيويورك» .. بين الأسلوب الروائي وكتابة المذكرات - 26 يوليو، 2020
- رحلة إلى «مدن الثلج» - 24 يونيو، 2020
- قصة الألم العراقي - 20 مايو، 2020
لا أخفي استمتاعي بقراءة هذه الرواية الأولى لكاتبة عراقية يطرق اسمها ذهني لأول مرة .. «نهاد عبد»، وإذا كانت البدايات محفوفة بالمزالق، فإن هذه الرواية كعمل أول يستحق أن يُقرأ. وإذا اتيح لكاتبته تنقيحه قبل طباعته لكان على صورة من الجودة أفضل مما هو عليه الآن.
وكل ما قلته مفتتحًا هذه المقالة عن رواية «بغداد – نيويورك» لا يخدش الصورة الجميلة للرواية في ذهني، ولم أجد في نفسي سوى الرغبة بإتمام قراءتها حتى سطرها الأخير.
وأشير أولًا إلى أن ثمة خيط يربط بين الأسلوب الروائي وأسلوب كتابة المذكرات، وقد يتداخل الأسلوبان ويمتزجان في عمل كهذا العمل الأدبي الذي كتبته السيدة نهاد عبد.
«بغداد-نيويورك».. استرسال في القراءة
في روايتها هذه ثمة مزاوجة بين الرواية وبين المذكرات، ولكن القارئ يسترسل في قراءة صفحات الرواية الـ(174) دون أن يشعر بفاصل أو تكلُّف يزيل أو ينقص متعته بمواصلة هذا العمل الروائي الذي ملخصه (الهجرة) القسرية من مجتمع (الولادة) والشباب إلى مجتمع غريب؛ طلبًا للأمان والنجاة والعيش الآمن، مع ما يصاحب هذه الهجرة القسرية من مصاعب نفسية ومضاعفات القلق والتوترات التي ترافق (الهجرة) من مجتمع شرقي (محافظ) إلى مجتمع (غربي) بلغ الذرى في تقدّمه الاجتماعي والتكنلوجي. وهذا أمر يطول شرحه ولكن جزئياته مبثوثة بين سطور الرواية.
قلت مرة في مقالة لي عن الرواية نُشرت قبل سنوات: إن قلب عالم الرواية هو (الحياة) ولكي يبقى هذا القلب نابضًا؛ فعلى الروائي أن يقول شيئًا عن هذه الحياة. وما يقول سيكون ممره إلى التواصل مع الآخرين إعجابًا أو نفورًا.
إن الكثير من الروايات لا يؤبه بها لأنها تفتقد إلى (الحياة) ووجهة النظر فيها مع تفاوت الإجادة في الأسلوبية والبناء وبقية العناصر.
في رواية «بغداد – نيويورك» حياة جارية وقلوب نابضة، في أعماقها تتفجر الحياة كحلم تبوح بصدق الأحاسيس، يشعر القارئ إزاءها أن لا كتمان ولا تزوير ولا تدوير، بوحها صاف ومشاعرها صادقة ومعاناتها مكشوفة.
أحاسيس ومشاعر بصدق غير مفتعل
وكل هذا ما يقرّب هذه الرواية إلى القارئ الذي يجد نفسه في ألفة مع روائية لا تتقن الحيل الروائية، ولا تفبرك الحوادث ولا تفتعل المواقف، هي صفحة من حياتها تبسطها بهذا الشكل الروائي غيرآبهة بما يمكن أن يُقال، فهي تكتب أحاسيسها بعفوية ومشاعرها بصدق غير مفتعل .
إن الرواية (المدهشة) هي التي تجعلك تحيا بين كلماتها، وحين تقف عيناك على الكلمة الأخيرة منها، تجد أن في ذهنك شيئًا قاله صاحبها كأنه سر من الأسرار، حينها تكون على يقين بأن خيوط الألفة تشد بينك وبين الرواية وستجد نفسك مشوقًا إلى قراءتها مرة أخرى.
الذي أرجوه أن يُتاح لهذه الرواية مدى أوسع بين القراء لما تستحقه من ثناء في الصياغة وثراء الأفكار وحيوية السرد، وذلك حسبنا من عمل روائي يضيف لبنة جديدة في البناء الروائي العراقي الذي يتكاثر بتكاثر الأيام وذلك حسبي.