إبداع

توثيق مجريات ثورة «تشرين» في العراق

رواية «نخلة خوص سعفها كثيف» يهديها المؤلف إلى أرواح الشباب

تتحدث رواية «نخلة خوص سعفها كثيف» للروائي العراقي داود سلمان الشويلي، عن ثورة (تشرين) في العراق، غالبًا ما يكون الحدث في زمنٍ ماضٍ ولا بد من اكتمال الصورة في نهاية الحدث، لكننا اليوم مع استمرارية وحدث مستمر.

يخوض الروائي داود سلمان الشويلي تجربة في توثيق مجريات ثورة تشرين العراقية والتي خرج فيها أبناء العراق لتغيير الواقع المزري الذي يخيم على مفاصل الدولة العراقية، وما قدمه لنا الاحتلال البغيض من ديمقراطية.

وخلال سنوات طويلة خلَّفت الفقر والعوَز، لكنها انتجت ثوار جيل لم يعرف البعث والسجون والموت في تلك الحقبة، لكنه وقف أمام العربات المُصفَّحة وصدور عارية تلقت الرصاص بالزغاريد. جيل مُصرّ على الموت أو التغيير.

كتب الروائي يقول: «أهديت هذه الرواية إلى أرواح الشباب الذين قدموا أنفسهم من أجل الحرية» .

انطلق الروائي بنا عبر عنوان «النخلة وسعفها الكثيف»، ليكون التخيّل من اللحظة الأولى، من (ذي قار) الحبيبة ينطلق الكاتب بقصة حب يصورها لنا بسرد مملوء بالحياة، كما صوَّر لنا البنت الريفية وحياة الريف والزرع حيث تكلم عن نبات (الجت) الذي يصنع مروجًا خضراء جميلة، يُطلق رائحة تجعل المنظر صورة وعطرًا خلابًا، ليصور لنا لحظة افتراقهما تحت النخلة، حينما أخبر (حميدة) بأنه يسافر إلى استراليا، في ذلك البلد يبحث عن الجنسية التي تجلب لهم حياة مختلفة .

(كريم) وعَد (حميدة) بأنه سوف يأتي لأخذها معه بعد أن يحصل على الجنسية الاسترالية.

 

نخلة خوص والأحداث من استراليا إلى العراق

من استراليا يصور لنا الروائي الأحداث التي تجري في العراق، وانطلاق ثورة تشرين من خلال محاورة بين (كريم) وصديقه تناول فيها وضع العراق والسياسيين بشكل واقعي وهو الواقع المر : “لم نكن نحن من نصبناهم لكن وصلوا بالتزوير. لقد سكتنا على كل شيء يقومون به حتى التزوير”.

إن سرد الروائي داود سلمان السلس جعلني أشاهد فيلمًا يُعرض أكثر من مرة ولا يُمَل، صوَّر ساحة التحرير بتفاصيلها الصغيرة، كما ذكر المطعم التركي والأحداث الكثيرة التي تدور حوله وجحافل العسكر الذين يقفون أمام الشباب وهم ينتظرون الأوامر للانقضاض على الشباب بالقنابل المسيلة للدموع.

وحتى الشعارات التي يرددها الشباب لم يترك صغيرة أو كبيرة إلا وذكرها عبر حوار ممتع.

كما أجاده الروائي التنقل بالحدث من مكان إلى آخر، حيث نقل الحدث أكثر من مرة بشكل ممتع من (ذي قار) إلى (استراليا) ثم إلى (بغداد)، ساحة التحرير إلى ذي قار وتحويل البناية إلى جبل أحد ذي قاري.

لمست عذوبة الوصف وأخص بعض اللمحات التاريخية عن بعض المواقع والتي أضافت لمسة جميلة للروي

ناقش الروائي في هذه الرواية موضوعًا مهمًا، وهو الفرق بين رجل الدين والرجل المُعمَّم، وقد بيَّن أن بعض المعممين لا يفقهون الدين ويطلقون الأكاذيب والناس تصدِّق، وعلينا أن نميّز بين رجل الدين والمعمم الذي يتخذ الدين غطاء للكسب المادي أو غيره.

 

الخروج عن إطار المكان الثابت

قبل نهاية الجزء الأول، استعرض الروائي أخبار الثورة في محافظة (البصرة)؛ ليخرج عن إطار المكان الثابت بين بغداد وذي قار والبطل (كريم) الذي عاد ليلتحق مع إخوته في ساحات التظاهر.

في الجزء الثاني عودة إلى (كريم) ورحلته إلى استراليا طلبًا للجنسية، وهو يعود من أجل الحبيبة (حميدة) ليتشارك الوطن والحبيبة في قلب كريم.

نجح الروائي في غرس الفكرة السياسية والعاطفية في نفس الوقت في أذهان المتلقي، ومن خلال سرد جميل يقودنا غلى التشويق والترقب، حيث نزل عند وصوله في بغداد ساحة الحرية والمطعم التركي.

كما أعاد بسرد رائع كيف أخذه الحنين إلى محبوبته التي شاركته الحياة منذ الطفولة ومراحل الدراسة الابتدائية وصولًا إلى التخرج من الجامعة.

يعود بنا سياق السرد إلى ساحة التحرير ص130 حيث اجتمع كريم وأصدقاؤه إلى تنكة النار؛ ليستمر السرد من غير تناسي دور المرأة ومحنتها في ظل الحكومة الجديدة وما يُسمى الديمقراطية الأمريكية. نعم كانت المرأة تشارك الرجل في هذه الثورة كما شاركته الحب، كما في بداية الرواية ننطلق من الحب .

(شارد) اسم صديق (كريم) والعائد من استراليا إلى العراق، بعد مغادرته ساحة التظاهر عائدًا إلى قريته، صاح بسائق (التك تك): “توقَّف ارجع بنا إلى ساحة التحرير لن أذهب إلى القرية”.

تلك الروح والحب للعراق، ولن تقاوم أبدًا ولن تخسر الحرب، بعد محادثة مع صديقه (كريم) يقرر أن يغيّر اسمه إلى (ثائر) بدلًا من شارد.

 

دروس يقدمها المؤلف من خلال الرواية

ماذا يريد الروائي إيصاله لنا عن هؤلاء الشباب وهذه الروحية؟ بحق إنهم أبطال. كريم منذ عودته من استراليا لم يذهب إلى أهله في ذي قار، وكل هذا الشوق للحبيبة يحمله داخله، إلا أنه ظل بين رفاقه في ساحة التحرير. بعد قرار كريم العودة وهو بين حب حميدة وأمه أشعر بأن الغد لن يأتي أو هناك أمر كبير على وشك الوقوع، إلا أن الراوي لم ينوّه إلى شيء.

لتكون الخاتمة رصاصة دخان مسيل للدموع تستقر برأس (كريم)، ليرحل شهيدًا قبل أن يصل إلى حميدة وأمه وبيته في ذي قار .

قدَّم الروائي دروسًا كثيرة في هذه الرواية منها، شرح مستفيض عن الأمكنة التي جرت فيها أحداث (تشرين)، كذلك قدَّم درسًا عن الهجرة خارج العراق وكيف يتصورها البعض أنها جميلة بلا متاعب .

قدم لنا وللأجيال القادمة أحداث متنوعة وشخوصًا لن يكررها التاريخ، وعلى السياسيين أن يهابوا هذا الجيل.
كما بيَّن لنا الروائي بأن الجيش لم يكن مع السياسيين، بل بعض منهم يتلذذ بالقتل عبْر تصويب الرصاص نحو الرأس للقتل المتعمد.

إن هذه الثورة ثورة شاملة، وقد بيَّن مواقف كل أبناء الشعب بمختلف انتماءاته ، نعم إن نخلة داود سلمان الشويلي سعفها كثيف .

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى