
- «جذور عنيدة» بين التكثيف والإيجاز - 14 يونيو، 2020
تمتاز القصة القصيرة بالتكثيف والإيجاز ونجد البعض يشكل على القصة القصيرة نمط السرد الظاهر، وهو الفكرة تكون بسيطة وظاهرة وحكاية يتمكن القاصّ من التلاعب باللغة لتحويلها إلى قصة مشوقة وجميلة.
في هذه القصة نشهد للقاص مهارته في تضمين الفكرة والقصة والحكاية المهارة مع أسلوب جميل ومشوق، وبدأ من عنوانها «جذور عنيدة».
وهذه القصة تحمل اسم المجموعة القصصية «جذور عنيدة» والصادرة عن «دار النخبة» في القاهرة وهي الثانية للقاص بعد «نبوءة حمامة».
براعة «الشمري» في فن القصة القصيرة
اتخذ من هذا الاسم الجذور العنيدة، لِما للجذر من ثبات ورسوخ كما ثبتت وتجذرت قصته في قلوبنا… ويقول لنا ما زالت الجذور ثابتة وإن تهوى للسقوط لكنك تعود شامخا وتعزف الرياح موسيقى هادئة…
خالد مهدي الشمري قلم سيّال وكاتب متمكن يبتعد دائمًا عن الحشو الزائد؛ أخذ من الكتابة فنًا، للأبواب المغلقة مفاتيح… كما ذكر في نهاية القصة.
أحيانًا الظروف القاسية المحيطة بك قد تجعل منك محبط تفقد الأمل شيئًا فشيئًا ….التشبث بالحياة….هذا
هناك في عقلنا الباطن في أحلك الظروف، وربما بطريقة لا إرادية تحاول أن لا تفقد الأمل حتى وإن كانت الظروف أكبر منًا واحيانًا نتعلم من المحيط وشاءت الأقدار أن تلفت نظره قصبة، هذه القصبة لا تأبه لمهب الريح، تقاوم رغم عدم عُمق الجذور …. ولكن تقاوم لأجل البقاء وهذا ديدن الأحياء… وحاولت جاهدة أن تكيّف نفسها للظروف المحيطة بها.. وتعيش حياتها لآخر لحظة ولا تأبة إن حلَّ الموت بها، أن تغتنم الفرصة لآخر لحظة وتقاوم حتى الرمق الأخير.
فلفتت انتباهه هذ القصية رغم تمايلها وتحمل أعباء الثقل ومحاولة قلع جذورها إلا أنها أبت ألا تقاوم..
كان قاب قوسين أو أدنى أن يفقد الأمل، ولكن تعلَّم الدرس جيدًا، وأعاد النظر في موقفه، قد تعترينا الظروف وتحيط بنا الأقدار إلا أننا نتمسك بخيط من الأمل. وكما قيل، ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.
كان الاستاذ خالد الشمري مبدعًا في تصوير الحالة بأسلوب أكثر من رائع.. لا بأس أن نتعلم الأشياء وإن كانت أقل قدرًا ومنزلة.
«جذور عنيدة»
«أُغلقت كل الأبواب بوجهه.. يشعر بأن الحياة تقترب من نهايتها، يتصفح أركان الغرفة ثم ينتفض تاركًا كل الهموم خلفه، تسحبه أقدامه خارجًا ليجد نفسه وحيدًا يتأمل بركة ماء.. تشده أصوات الطيور وحفيف القصب التي يسمعها، ظلَّ ساهيًا يتأمل وعيناه تراقب كل حركة، حتى توقف التفكير عند قصبة أمامه !!
ترتقي بقامتها نحو السماء، الماء أصبح جزءًا منها.. ناي يعزف ما أن هبت نسمة هواء.. اعتادت الأجواء التي فرضت عليها، يعكس الماء صورتها، تتمايل راقصة مع زقزقة عصفور أو تغريد بلبل، لا تنحني إلا إذا حطَّ فوقها طير فتميل للقاع هاوية، لا تشتكي الطير، فتنهض مبتسمة ما إن غادرها أو طار بعيدًا، ولا تلك البطة التي تعتاش على جذورها، فإن زاد نبش انكشف الطين عن الجذر.
يرتفع للسماء رأسها وتعرف بأن الموت يقترب، لكنها وإن تمددت وجدت فرصة حتى تمسكت جذورها بالأرض.. أدهشه المنظر، نفض التراب عن يديه، وبسبابته يعيد حاجبيه إلى مكانهما وهو يبتسم.. للأبواب المغلقة مفاتيح».