«حرب القلوب».. تاريخ يعيد نفسه

صدر حديثًا عن دار النخبة العربية رواية «حرب القلوب» للكاتبة الليبية رجاء موسي.

تقع الرواية في 170 صفحة من القطع المتوسط، وتتناول فيها الكاتبة الصراع بين الخير والشر متمثلًا في سيطرة البعض على مقاليد الأمور دون وجه حق، تحقيقًا لأهداف يغلفونها بشرعية زائفة، متخذين الدين مطية لتحقيقها.

التاريخ يعيد نفسه

بدأت بأحداث تاريخية أسقطتها على حداثة الواقع المحكي في الرواية والتي تتشابه معها كما تقول المؤلفة: «التاريخ يعيد نفسه بتلقائية مثيرة».

عرضت الكاتبة من خلال أحداث ذات حبكة درامية أبدعت في إحكامها، لنماذج مختلفة من البشر تقاذفتها المعتقدات على صعيدي الخير والشر تتصارع في حرب للقلوب. (أحمد) العائد من الغربة الذي حمل معه أحلامه، و(منذر) المتخبط في قناعاته، (صالح) الذي يحاول جاهدًا أن ينقذ ويحافظ على شرفه العسكري، (وردة) التي تصارع لتصل لهدفها، (سمر) الفتاة التي تعاني الظلم ، وغيرهم من أبطال الرواية، حيث انصهروا جميعًا في بوتقة من أحداث جسيمة غيرت مصائرهم متأثرة بأحوال بلادهم وعوائلهم.

من رواية «حرب القلوب»

دخلت تجر ثوبها الذي يكنس خلفها كل ما يمر عليه، وقف الجميع منحنين أمامها كأنهم أغصان معكوفة، تقدمت بخيلاء حتى جلست على كرسي بثلاثة أرجل، اقتربت منها إحدى مساعداتها وقالت لها همسًا  في أذنها عن رغبة الحضور في نيل شرف تنبؤها.

 هزت (هيبيتا)، عرّافة معبد دلفي رأسها، فيما تقدمت المساعدة نحو صفّ الحضور بعد أن وقفوا كرماحٍ مغروسة لتبدأ في تقديمهم:

–        هذا السيد (ارسيوس) قائد الجيش، (نمروس) أكبر تجار بلادنا، وأخيرًا السيد (سيليوس) بحّار، يخبر البحار كما يخبر المرء كف يده.

وبسبابتها التي نصّعت بثلاثة خواتم أشارت نحو كبير التجار للبدء في حديثه.

تقدم خطوة وضم يديه وقال:

–        أنت على علم بما تمر به بلادنا، بخلت المحاصيل علينا بثمارها والحقول منعت عنا كنز سنابلها، وعبث الفقر بشعبنا ونحن في طريقنا للهلاك جوعًا.

هزّت رأسها دون أن ترمش.

–        واصل: اقترحت على السيد ارسيوس أن نبحث عن حل لهذه الأزمة، ويجب علينا البحث خارج الحدود وعلى الضفة الأخرى من البحر، فهناك جنة بسكان لا يستحقونها أخبرنا عنها سيليوس، أو بالأحرى جنة نستحقنا نحن فقط.

هزت رأسها مرة أخرى، ثم وقفت واستدارت نحو غرفة تقع خلفها، دخلتها بهدوء، وبعد أن مكثت لبعض الوقت خرجت عليهم غير متزنة وتمتمت :

–        سوف يعض بنان الندم كل من لم يهرع إلى أقليم أوبال السخي، لينال نصيبه من الأرض في موسم اقتسام الأراضي.

نظر كبير التجار إلى قائد الجيش الذي اعتبر هذه النبوءة مباركة لبدء الغزو، وسيذهب مؤيدًا بالقوى الإلهية فهو يحمل في قلبه رغبة إنقاذ شعبه من الموت المحقق.

خرج الوفد بعد أن أطبق الصمت عليهم، وما إن ابتعدوا قليلًا عن المعبد حتى ادّعى التاجر بضرورة أخذ طريق آخر وافترق عنهم ليعود إلى المعبد فيجد الهيبيتا تجلس ثاملة، انحنى لها نصف انحناءة وارتسمت على شفتيه ابتسامة العرفان فيما دسّ أصابع يده في ذلك الحزام الذي ثبته على خاصرته وأخرج كيسًا مملوءًا بالنقود المذهبة، قدمه لها جزاء صنيعها بإقناع الرجال بضرورة الغزو.

فكثيرًا ما يحدث شراء القرارات بالمال بعد تغليفها بشرعية التنبؤات لعقد ألسنة المعارضين، وكثيرًا ما تنزلق تلك العقول التي يسلمها أصحابها دون تفكير وتروٍّ نحو المهالك.

ولأن البشر يتحركون بدافع من الخوف والمصلحة والشرف، فستغزو قوات (أرسيوس) إقليم اوبال لأن المصلحة تحتم ذلك، وستنعم بكنوزه لعقود طويلة قبل أن تزول دولتهم.

ولأن التاريخ يعيد نفسه بتلقائية مثيرة، فسيكرر حملة (ارسيوس) آخرون بذات الأهداف وذات الأسلوب في  السنوات اللاحقة.