
- قراءة في.. «ديوان الحسناوي» - 8 يونيو، 2021
- «من قلبي تولد الحروف».. اقتحام الوجدان - 20 مارس، 2021
- قراءة في ديوان «السمراء ذات الخال بكامل أريجها» - 7 مارس، 2021
من أسباب تجلي الإبداع منذ فجر بزوغ الأدب هو أن النقد ظل مرافقًا للنتاج الأدبي بكل أنواعه وفنونه وأظهر خفاياه وجمالياته،والأديب ذاته ممكن أن يكون ناقدًا.
فالشاعر حينما يفرغ من قصيدته يعود ليتمعن فيها ويصحح فيها وهذا بعينه نقد، وكذلك الروائي والقاص وغيرهم ممن يمتهنون الأدب أو يتخذون الأدب مسمى لصفاتهم الأدبية، ففي مجال الشعر الشاعر نفسه يكون ناقدًا حينما يقف على نصه بعد ما يفرغ منه ولنا في شعراء الحوليات خير مثال على ذلك.
لذا نرى الشاعر الناقد أبرع من الناقد وهو ليس بشاعر، وحقيقة النقد تتوقف على عدة مقومات أهمها المعرفة والدراية بالعلوم النقدية وقوة المخيلة والغوص بعيدًا في عالم التأويل.
الناقد المتذوق يزيد النص قوة وجمالًا
واختلاف النقاد مع بعضهم البعض أمر عظيم يجعل من النص ساطعًا، فلا وجود لقراءة يتيمة قد تفي بالنص ودلالاته وكما أن المتذوق مختلف عن الآخر فهو أمرٌ حسنٌ أن تتعدد الأذواق فيما بينها، وذلك يصب في مصلحة النص مع يقيننا أن هناك تفاوتًا ومفاضلة بين النصوص، ويقينًا تامًا نحن نؤمن أن الناقد وإن كان متفوقًا وملمًا بعلوم النقد لكنه لا يمكن أن يصل للمعرفة الحقيقية لبنيات النصوص وأسبابها التامة وذلك سر من أسرار الشعر ومعجزاته ليظل مستمرًا مع العصر، فكلما زاد التأويل وتعددت مفاهيمه زادت النصوص قوة وجمالًا.
ومع اختلاف الطرق النقدية للنصوص وأخص منها الشعر تجد من يميل للاختصار وهناك من يغور في عمق النص ويشرح أكثر ويحاول جاهدًا أن يظهر المجهول والجماليات في النص ويغور فيه ليسهل عملية فهم النص عند أي متلقٍ، وهناك من يرى نفسه ناقدًا وهو لا يعرف حتى بحور الشعر وأوزانه ولا يتقن اللغة ومفاهيمها ومثل هؤلاء بدؤوا يتساقطون لأنهم لا يملكون الأسس والمقومات للناقد البارع ولكنهم يتخذون من الألقاب هدفًا لأغراضهم الدنيئة، أما الذي يملك أخيلة واسعة قد تفوق التصور أحيانًا ذلك لأنه يستكشف الأمور بالعين الثاقبة الممزوجة بالمعرفة والدراية حتى ترى أن كاتب النص ذاته يتعجب مما أظهره الناقد.
الحداثة تفرض سلطتها على النص
ولابد من توضيح أمر مهم وهو أن الناقد القديم ليس كالحديث، فالحداثة تفرض سلطتها على النص كما إن شعر الجاهليين ليس كشعر الإسلاميين وشعر الإسلاميين ليس كالعباسيين، والشعر الحديث أيضًا مختلف كل الاختلاف عما سبقه، وبما إن الشعر ديوان العرب والعرب يحنون إليه ما دارت الأيام وأن له وقعًا خاصًا على النفوس والمتلقي، لذا سيظل مستمرًا ولن يموت مع استمرار الزمن وسيبقى خاضعًا للتأويل وللذوق والشرح والدراسة والتمعن والشواهد.
وهذا الاستمرار يتطلب من الناقد أن يكون معاصرًا للحدث وكل ما هو جديد؛ كي يظهر الإبداع من خلال النصوص التي تكتب من قبل الشعراء مع التركيز على التراكم المعرفي لدى الناقد والشاعر والمتلقي، فهذه الأمور إن اجتمعت سيظهر لنا الإبداع جليًا.