إبداع

خبايا قرية

غازي ابن مدينة كانت تغفو وتصحو على صراعات فكرية تتناوشها الأفكار الوطنية والقومية

م.راسم الحديثى
Latest posts by م.راسم الحديثى (see all)

ففي ذاكرة أهل قرية الجزيرة كيف اكتشفوا جثة غازي تطفو جوار الحافة النهائية لبضعة نواعير عالقة بغصن شجرة تين عملاقة وافرة الظلال بجذور تسور أعماق جدران هذه النواعير.

غازي ابن مدينة كانت تغفو وتصحو على صراعات فكرية تتناوشها الأفكار الوطنية والقومية والأحزاب السرية المتعددة المشارب والاتجاهات، كان له دور ريادي صلب بين رجالات هذه المدينة، فشاع صيته وأصبح مثاراً للجدل باندفاعه وحماسته، ناهيك عن حبه لمدينته وأهلها ونصرته للفقراء والضعفاء.

وفي عام 1956 وهو عام الحرب الثلاثية ضد مصر العربية ( إسرائيل وفرنسا وبريطانيا)، تلك الحرب العدوانية الاستعمارية التي اشتعل فتيلها بسبب تأميم قناة السويس ولإجهاض التطلعات المصرية الوطنية حديثة العهد، عمّت التظاهرات أرجاء الوطن العربي تضامنا مع الجيش العربي المصري ومنها هذه المدينة.

كان غازي يعتلي أكتاف المتظاهرين الغاضبين الهاتفين ضد الأنظمة المستسلمة آنذاك، مروا من أمام مديرية الناحية ومديرية الشرطة وهم مسورون بالأجهزة الأمنية، وبعد يوم واحد هرب غازي من المدينة حين علم أن الأجهزة الأمنية تبحث عنه لاعتقاله، تسلق الجدران في جوف الليل واخترق المزارع والهضاب ليختفي عن الأنظار.

هناك غاب في قرية الشاطي الواقعة غرب المدينة بسبعة كيلومترات، قرية صغيرة متهالكة ببضعة بيوت وبعض خرابات كانت إحداهن مخبأ آمنا لغازي، وبمرور الأيام توطدت علاقته مع شاب عشريني من القرية، نشيط وقارئ نهم لكتب ثقافية متنوعة، تأثر بأفكار غازي وتطلعاته فآمن بها، وصار يستضيفه كثيرًا في بيته فيجد الحفاوة والتكريم منه ومن زوجته.

وبعد مرور أكثر من عام وحين اكتشفت جثة غازي معلقة بغصن شجرة التين في قرية بعيدة عن قرية الشاطي، قرية الجزيرة، وبعد حزنٍ لم تشهد له المدينة مثيلًا من قبل.

حامت الشبهات وكثرت الإشاعات لتكتشف السلطة مكان اختفاءه هذه المدة الطويلة، المكان الذي يعلمه كل أهل المدينة ما خلا أجهزة السلطة، اعتقل الشاب القروي الذي احتضن غازي هذه المدة الطويلة، وبمرور الأيام وبالتعذيب القاسي اعترف بطعن صديقه غازي بسكين، ولكنه تغافل عن سبب فعلته هذه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى