أخبارنا

خفايا ودلالات «تحت شجرة التوت»

راسم الحديثي يقدم سردية مستلهمة من الواقع في روايته

تحت عنوان «راسم الحديثي يقدم سردية مستلهمة من الواقع في رواية (تحت شجرة التوت)»، تحدث الناقد «حمدي العطار» عن هذه الرواية الصادرة عن دار النخبة، في كتابه «قراءات في السرد العراقي زمن كورونا»،

واستطاع بقدرة ناقد متمكن تفكيك أفكارها وثيمها وخفاياها ودلالاتها، رغم كثرة شخوصها وتعقيد وتشابك أحداثها وتعاقب أزمنتها، تحدث عنها يقول:

بطل رواية «تحت شجرة التوت»

بطل هذه الرواية شاب ظهر فجأة في قرية الجزيرة الواقعة في أعالي الفرات، ظهر في مصلى قرية الجزيرة، لا يعلم أحد من أين أتى، عاشوا معه وهم يجهلون أية معلومة عنه، هو الشيخ علي،

هكذا عرفوه، أبدع وأجاد بحنكة مسلم قدير إدارة هذا المصلى بفرائض المسلمين، حتى شاع صيته وتبعه أهل القرية وأحبوه ونسجوا عنه قصصًا خيالية بقدرات دينية خلاقة ومنها: شاهدوه وهو يطير في فضاء عالٍ قادمًا من الحج، ومن أمثالها الكثير. لكن هذا المصلى المظلل بشجرة التوت أصبحت سكنًا دائمًا له.

عاش مشاكل هذه القرية وأبرزها مشاكل عائلة حمدي، هذا الرجل الذي ساقته جحافل الدولة العثمانية مع مجموعة من شباب أهل القرية، ساقوهم قسرًا مشيًا على الأقدام خلف حصان رجل الجندرمة، بسفر طويل حتى جزيرة القرم، ليشهد قسوة الضابط العثماني بذبح أكثرمن أرمني باعتبارهم كفرة لرفضهم اعتناق الدين الإسلامي.

الجانب النفسي في الرواية

«حمدي رجل يعاني الأمرين من مشاكل نفسية لأسباب تتعلق بما رآه هناك، تحدث لزوجته ما أخافه وأزعجه، فقد شارك بقتل مجموعة من الأرمن، ربطوهم على أعمدة خشبية بعيون وأفواه مغلقة بقطع قماش، فأمر الضابط العثماني بقتلهم كونهم كفارًا بعد سوق صغارهم قسرًا إلى معسكرات التدريب وإجبارهم على اعتناق الإسلام،

 وحدّث زوجته بصوت خفيظ: أحدهم أمر الضابط بتقطيعه كونه يعلن عقيدته بعزم ولم يتراجع، فتقدم إليه رجل طويل متين وقوي فأخرج لسانه وضربه بسكين حادة ورماه أرضًا فانفجر بركان دم من فمه، فوضع التركي قدمه على رقبته فرفست رجلاه وارتجف حتى توقف كل شيء» الفصل 2 ص14.

نعود إلى الشيخ علي بطل هذه الرواية، ومشاكل عائلة عبد الله الابن الوحيد لحمدي وعلوية زوجة عبد الله التي اضطرت السكن تحت شجرة التوت بجوار المصلى بسبب فصل زوجها من محطة النفط، وأولاد عبد الله وهم لهيب العلماني الفكر وعمار الضابط المتقدم الذي فقد في الحرب العراقية الإيرانية وأختهم ليلى، وحتى الأحفاد عماد ابن الضابط المفقود عمار وأخاه علي.

وقف الشيخ علي إلى جانب زوجة عبد الله، عبد الله الذي اعتقل في نقرة السلمان مع رفاقه ومنهم هرمز يوخنا شيوعي الفكر، وحكم بالسجن بعدها لسنوات طويلة، كل هذا بسبب مساندته لخنور الشيوعي القادم من مدينة العمارة، خنور قائد الانتفاضة ضد الإنكليز في محطة النفط،

شخوص الرواية ودلالات الأحداث

عاشت علوية بحياة مليئة بالفاقة والحرمان حتى تسربت حكايات من أفواه نسوة عن علاقة جنسية بينها وبين صاحب الدكان الواقع مقابل المصلى، هذه الإشاعة سرت مما سبب ذبحها بسكين حادة من قبل زوجها عبد الله بعد خروجه من السجن، وكان برفقته ولديه لهيب وعمار، كانا شاهدين على ذبح أمهما التي ربتهما بالعوز الصعب، أمهما البريئة.

عمار يقبل في الكلية العسكرية ويتقدم بين أقرانه، يدخل صنف القوات الخاصة، يلعب دورًا بارزًا بتحرير المحمرة في بواكير الثمانينات، ثم ينقل إلى جبهات أخرى، هناك يفقد وهو يحاول فك أسر سرية للقوات الخاصة محاصرة من قبل الإيرانيين. بقيت زوجته تعاني الألم وحسرة فقدان الزوج، وتقوم بواجباتها بتربية ولديها عماد وعلي.

لهيب الأخ الأكبر لعمار له ميل بكتابة المقالات، تأثر بالفكر الإنساني، قرأ للماركسية والوجودية والفكر القومي وعمل في مكتبة المدينة، نشر مقطعًا على أجهزة التواصل الإلكتروني، عده التكفيريون مقالًا إلحاديًا، اختطف لهيب وحكم بالحرق،

عاش ليلة واحدة يستذكر تاريخ عائلته مما يعرفه ومما سمعه من أبيه، وحتى الصبح حيث تم حرقه كعقوبة على ما نشره، حصل هذا في عام 2007 ، إذ انتشر العنف الطائفي والتكفيري..

الجانب التاريخي في الرواية

المقطع الذي نشره وسبب حرقه هو : «إذا كان كل ما وصلنا من بطون التاريخ حقيقة مطلقة كما يراها المتخندقون في القديم المنقول فقط، فلا حوار به مما سبب هذا التراجع التاريخي، ماذا نقول في جاذبية نيوتن ونسبية أنشتاين وكهربائية ادسن؟».

قبر رمزي عمل له من قبل الحفيد عماد عمار في باحة المصلى.

كبر الحفيد عماد ابن عمار الضابط الذي فقد في الحرب العراقية الإيرانية، فكر أن يكتب تاريخ حياة عائلته حين وجدت زوجته العاملة في إحدى الصحف مقالًا عتيقًا بتاريخ بواكير الثمانينات؛ يتحدث عن بطولات والده عمار،

حفزه هذا على سرد تاريخ عائلته، عمته ليلى نصحته بمغادرته بغداد والذهاب إلى قريتهم (قرية الجزيرة) وهناك يقابل الشيخ علي فهو قد عاش وأشرف على تاريخ هذه العائلة وتحمَّل قسطًا كبيرًا من مشاكلها. نفذ أمر عمته وبالفعل غادر بغداد باتجاه قرية الجزيرة ومصلاها العتيق قاصدًا الشيخ علي.

لقاء الشيخ والحفيد

نعود إلى الشيخ علي ولقاءه مع الحفيد عماد، عماد طرق باب المصلى فلم يجد استجابة من أحد ما خلا بعض الهمهمات، فتح الباب عنوة ودخل ليجد الشيخ علي وهو ينتظر لحظاته الأخيرة بعمر يقارب المئة عام.

استأنف أسئلته عن عائلته بتفاصيل أصر عليها عماد، الشيخ يتعذب ويجيب بصوت خفيض يكاد يسمع، وأخيرًا طرح سؤاله الصعب وهو: «يا شيخ الأرواح بيد الله، ولكن قبل أن تنفخها أخبرني من أنت لتنام مرتاحًا هادئًا وتلاقي وجه ربك راضيًا مرضيًا؟؟.

أجابه: «أنا أرمني يا بني، لم يعد وقت لإخفاء الحقيقة، ربي هو ربك يا بني، نحن بشر قيمتنا من أعمالنا، أخفيتُ ديانتي للحفاظ على روحي، آآآه أين أهلي الآن؟

 ثم سأله عماد: ما اسمك يا شيخ علي؟ أقصد اسمك وأنت في استانة؟ . أجابه: غادرته من زمان، إسحاق اليهودي جعلني أتذكره فكان يناديني باسمي الحقيقي، هاكوبيان» فصل 23 ص 130 .

أعلن عماد وفاة الشيخ علي بمكبرة الصوت، تجمَّع حشد كبير لم تعهده قرية الجزيرة والقرى المجاورة من قبل، قرر عماد أن يدفن هنا بالقرب من شجرة التوت في باحة المصلى الخارجية، شارك في مجلس الفاتحة التي ساهم الجميع بكلفها وجهدها، وقد أوصى عماد أن يذكر تاريخ وفاة الشيخ علي بهذا اليوم منتصف حزيران 2009 ويكتب اسمه (الشيخ علي هاكوبيان).

أصبح هذا القبر، قبر الشيخ علي هاكوبيان مزارًا يؤمه كل من لديه مشكلة مستعصية، فسيج قبره بسياج حديدي، وهكذا كانوا يستذكرون حكاياته أيام زمان ومنها: أن المسجد الواقع في الجهة الشرقية لقرية الجزيرة كان كنيسة قبل الإسلام.

 وأن القرى التي تبدأ أسماؤها في الباء المكسورة هي قرى كلدانية مثل «بثنة وبروانة وبشتية وبربيبي وبرهيثة وبنياذة»

ويقول في ذات مكان مزار الشيخ حديد وقبل هذا التاريخ بكثير كان هناك مزار يدعى مزار الراهب أدة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى