«خواطر في الطريق»… يجمعها الحرف الصادق
اللغة الأنيقة والفكرة الرصينة بقلم الحاضر الغائب «الحسين جبره»

صدر حديثًا عن دار النخبة كتاب «خواطر في الطريق» للكاتب السعودي الحاضر الغائب، الحسين بن إبراهيم جبره.
هذا الكتاب الذي يقع في 83 صفحة من القطع المتوسط ويضم في طياته العديد من الخواطر كُتبتْ بحبٍ وصدقٍ وشغفٍ وإلهام، خواطر تجمعها الفكرة الرصينة، واللغة الأنيقة والحرف الصادق وهو العمل الثاني للمؤلف –عليه رحمة الله– بعد رواية (التابوت).
خواطر في الطريق
نُشرت هذه الخواطر قبل ما يزيد على عشرين عامًا إبّان تدريس مؤلفها في المعهد العلمي بصبيا في مجلة (معالم) الثقافية التي كانت تصدر عن المعهد حينذاك، وكان المؤلف يكتب خواطره تحت عنوان «خواطر في الطريق»، وقد جمعت أسرة المؤلف ما توفر منها في هذا الكتاب مع خواطر أخرى كتبت متفرقة، وأضافت عنوان لكل خاطرة، وجعلت من عنوان الزاوية الذي اختاره مؤلفها عنواناً للكتاب
ليلةٌ حالمة
في ليلة من ليالي الصيف المحرق، زار السحاب سماء صحرائنا، فوجد فيها سحابة تائهة تحمل شوقًا ربيعيًا يشدها إلى الأرض، فضمها إلى صدره ضمة عاشق عبث بقلبه الشوق والحنين، فتسللت دموع اللقاء لترسم لوحة العناق الحار بريشة الذكريات، تذكرت حينها إشراقة شمس الربيع متأملًا في لطفها عندما ترسل أشواقها الدافئة لتداعب وجنات ذلك الورد الناعس فتبتسم الوردة في إشراقة وبهاء تجعل الندى يتساقط على الأرض كدموع الفراق ويذوب حياء من شمس الربيع.
ذلك المشهد زرع في قلبي حبًا عميقًا لتلك الوردة، ولكنه حب قتلته العاطفة الهوجاء فقُبر في مقبرة الغيرة، عشقتها فحجبت عنها الشمس حتى لا تحترق، بالغت في حبها فخفتُ عليها الغرق فمنعتُ عنها الماء، ودفعني جنوني بها أن أحارب الهواء العليل خشية أن يعبث بأوراقها، ولكني لم أكن أنانيًا فأقطعها لأستمتع برائحتها وجمالها بعد موتها، هاأنذا أقتلها ولكن بأسلوب آخر.. ولكنه موت؟
هتاف
وما إن بدأت رحلتي الصغرى عن الوجود إذا بطيفك زائرًا لليلي ليخطف النوم ويأسر القلب ويرحل بالذهن عبر خارطة الذكريات إلى عالم النسيان، فسمعت تمتمة تشقّ سكون الليل، وتخترق جدار الماضي لتصل إلى فؤادي المنكسر مرددة بعض العبارات في اضطراب واستحياء..
هل تتذكر صبانا وريعان شبابنا؟ هل تتذكر أيام الهوى؟ أيام كنا سوا.. هل تتذكر ليالينا القمرية على أطراف وادينا الجميل الذي يطيب فيه السمر ولا يطول السهر، فالشمس سرعان ما تعانق ذلك الوادي فتزيل من غيرتها الندى الذي بات على خدود أزهاره، وترسل حرارة شوقها لرماله، وتتسلل بين أغصانه المتمايلة طرباً لنغماته التي يعزفها نسيم صباحه، فيشعر بدفئها ذلك الطير الغافي على أوراق الفل والكاذي فينفض الندى الذي قد بلل جناحه في تلك الليلة الشتائية الهادئة، ويرحل في الفضاء الرحب وقد أرسل تسبيحاته، باحثًا عن قوته وقوت صغاره..