خيري شلبي حكّاء الرواية المصرية
روائي فريد كتب عن قاع المجتمع وعبر عن معاناة الناس والصدام الدائم بين الخير والشر

- خيري شلبي حكّاء الرواية المصرية - 27 سبتمبر، 2020
تحت عنوان «خيري شلبي حكّاء الرواية المصرية» كتب د. مصطفى الفقي مقاله المنشور في جريدة «المصري اليوم» عن الروائي خيري شلبي وقيمته الأدبية..
وجاء في المقال:
الروائيون أنواع، منهم من يهتم بالرواية التاريخية مثل جمال الغيطاني الذي شدته الحقبة الفرعونية والفترة المملوكية، وآخر مثل يوسف القعيد الذي اهتم بالاشتباك بين الماضي والحاضر وعبر عن الواقع في أمانة وسلاسة، بينما وقف العملاق نجيب محفوظ على أطلال الحارة المصرية يعيش فيها ويكتب عنها ويستقي منها خواطره وأفكاره، بل إن استغراقه في المحلية هو الذي وصل به إلى عرش العالمية.
خيري شلبي روائي فريد من نوعه
وها نحن نكتب اليوم عن روائي فريد كتب عن قاع المجتمع وعبر عن معاناة الناس والصدام الدائم بين الخير والشر، فكان قريبًا من الطبقات الفقيرة والفئات المهمشة التي عاش بينها واحتك بها، خصوصًا في محافظتي كفر الشيخ والبحيرة حتى جاءت روايته المحورية (وكالة عطية) التي تدور أحداثها حول مدينة دمنهور ذات التاريخ الطويل والشخصية المتميزة، فكان خيري شلبي بحق هو الانعكاس الصادق للحياة اليومية للمصريين، بل إنني أتذكر أنه كتب بعض رواياته في مسكن وسط المقابر في القاهرة القديمة، لذلك جاءت مشاعره صادقة وأحاسيسه مرهفة وأفكاره جديدة.
ولقد أدهشني ذات يوم، منذ عشرين عامًا، وكانت معرفتنا لا تزال سطحية، بأن كتب عني (بورتريه) في عدة صفحات بمجلة الإذاعة والتليفزيون تحت عنوان (المفهرس) فإذا به يلتقط سمات شخصيتي كما لا يعرفها أحد غيري، ويطرق بالقلم على جوانب من حياتي لا يدركها الكثيرون فقد اكتشف أنني نمكي، منظم، أحب النظرة الشاملة ولا أتوه في التفاصيل، ولقد حصلت على نسخة أخرى من عدد هذه المجلة بإهداء من الأستاذ خالد حنفي، رئيس تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون، وقد ضمنتها كتاب حياتي تحت عنوان (الرواية) الذي سوف يصدر خلال أسابيع قليلة.
ولقد كان الجلوس إلى خيري شلبي (شيخ الحكائين) متعة تمتزج فيها الثقافة بالتسلية والفكاهة مع ضحكته المميزة وشعره المنكوش وعباراته الرصينة وكلماته القوية، خصوصًا أنه كان صاحب مزاج يستطيع أن يهيئ نفسه للكتابة في توهج وانطلاق في إطار طقوس لا يعرفها سواه، ولقد جمعتني به بعد ذلك لقاءات متعددة مع حفنة من الأصدقاء في صالون الراحلة السيدة شمس الإتربي، حيث كان هو نجم الجلسات ومحور الحديث، وقد كان يتكلم مع كل منا كما لو كان صديقه الأوحد ورفيق مشواره في الحياة.
بعيدًا عن الأضواء
وعندما ذهبت إلى الحلقة الأسبوعية من برنامج «يحدث في مصر» الذي يحاورني فيه الإعلامي اللامع شريف عامر، وجدت أن يومها هو ذكرى رحيل ذلك الأديب المصري الصميم الذي لا تقل أهميته في نظري كثيرًا عن روائي نوبل نجيب محفوظ، بل هو في ظني ينتمي إلى مدرسة تقترب من مدرسة محفوظ ولا تبعد عنها كثيرًا، ولقد أسعدني أن حفيد خيري شلبي (محمد السنهوري) يعمل في محطة MBC وهو يحدثني أحيانًا في لقاءاتنا الأسبوعية عن جده وحياته ومصادر إلهامه وتنوع خبراته.
وأنا أظن أن خيري شلبي لم ينل في حياته ما يستحقه من تكريم لأنه لم تكن له (شلة) وليس حوله (حرافيش)، فضلًا عن عزلته شبه الدائمة وابتعاده عن الأضواء وبساطة حياته مع تواضع غريزي يرتبط بأبناء الطبقات الأكثر عددًا والأقل ثروة، لذلك كان رحيله مفاجأة شخصية لي، إذ كنت أحسب أن العمر سوف يمتد به أكثر، ولكن لكل أجل كتاب، كما أن الحياة الصعبة والمعاناة المستمرة تقصف الأعمار وتسحب البشر إلى القبور قبل الأوان، وأنا أطالب كبار الناشرين أن يجمعوا أعماله الكاملة، وأدعو الصديقة العزيزة الوزيرة المتميزة دكتورة إيناس عبد الدايم أن تجعل اسمه عنوانًا على دورة أحد المهرجانات الفنية حتى تحيي ذكرى أديب عاش ومات وكأنه عابر سبيل على ضفاف النيل.
رحم الله خيرى شلبى فى ذكراه روائيًا عظيمًا ومعبرًا صادقًا عن الشعب الذي خرج من صفوفه والفئات التي عاش معها وكتب عنها ورحل وسط زحامها، وسوف تبقى ذكراه رمزًا للأدب المصري وتعبيرًا عن حياتنا منذ النصف الثاني من القرن العشرين حتى رحيله منذ سنوات، لقد كان خبيرًا بسلوك البشر، ضليعًا في سبر أغوار الشخصية المصرية، ولذلك سوف يبقى ملتحمًا بها معبرًا عنها صادقًا معها.