
- دبلوماسية الماء الاقتصادية - 26 نوفمبر، 2022
ربما يكون المفوض السامي الجديد لمنظمة استثمار نهر السنغال هو الأصغر سنًا من بين من تولوا هذا المنصب طيلة العقود الخمسة التي عاشتها المنظمة.
الوزير الموريتاني ذو الخمسة والأربعين عامًا يحل ضيفًا على بلاده بعد أسبوعين من تسلمه القيادة التنفيذية لأهم منظمة في مجالها بشبه المنطقة، حاملًا معه آمالًا بتطوير عمل المنظمة وارتياد آفاق جديدة.
ليس مجرد نهر
تسير المنظمة أهم مورد للماء في أربع دول من شمال إفريقيا، وتسعى، بقدر كبير من النجاح حتى الآن، لتحويله إلى أهم مصدر لحياة أزيد من ٤٠ مليون إنسانًا يسكنون في موريتانيا والسنغال، ومالي، وغينيا كوناكري. شملت حتى الآن توفير المياه لسكان نواكشوط، عاصمة موريتانيا، وحوالي ٦٠٪ من سكان العاصمة السنغالية داكار. إضافة إلى غالبية المدن والبلدات والقرى الواقعة على ضفتي النهر.
بعد عقود من توزيع حصص المياه بعدالة بين الدول المطلة على النهر، تحولت المنظمة بفضل اثنين من أكبر السدود (هما سد جاما، وسد مانانتالي) إلى منتج رئيس للطاقة التي تستهلكها شعوب دول المنظمة؛ فقد أصبحت توفر حوالي ٣٠٪ من الطلب على الطاقة في موريتانيا، و٤٥٪ بالنسبة لمالي، و١٠٪ بالنسبة للسنغال.
على ضفتي النهر نمت قصص لملايين السكان، عبروا ضفتيه واعتاشوا من خيراته؛ فهناك عشرات آلاف الهكتارات في مزارع على طول النهر، يمكن أن تتحول مع الوقت إلى إحدى أهم سلال العالم الغذائية المزروعة. وحدها موريتانيا أنتجت العام الفارط ما يناهز تسعين بالمائة من حاجتها من الأرز من مزارع على ضفة النهر، إضافة إلى آلاف الأطنان من المزروعات الأخرى؛ خضارًا، وفواكه وحبوبًا.
تحول النهر مع الوقت إلى جسر بين شعوب المنطقة، خاصة دول المصب، فنمت على ضفتيه حياة اجتماعية امتزجت فيها الأعراق، وخلقت لنفسها ثقافة مشتركة متميزة.
وزير من المنظمة
بمجيء الوزير الدكتور محمد ولد عبد الفتاح للقيادة التنفيذية للمنظمة، مفوضًا ساميًا لفترة من خمس سنوات، يعود إلى منظمة استثمار نهر السنغال رجل خبر ملفات المنظمة، رئيسا لمجلس وزرائها، ثم عضوا في المجلس لمدة تقارب الخمسة أعوام.
من خلال قيادته حقيبة الطاقة والمعادن في الحكومات الموريتانية المتعاقبة منذ العام 2016 وحتى 2020 تعرف ولد عبد الفتاح على الملفات الملحة في مكاتب المنظمة، وطالع عن كثب التحديات التي تواجهها، والفرص المفتوحة أمامها.
وبحسب العارفين بولد عبد الفتاح، فإن السؤال المركزي في ذهنه عندما يتولى ملفًا هو أين وجدته وأين سأتركه؟
هذا السؤال الذي قاد ولد عبد الفتاح إلى إدخال كبريات شركة الطاقة، مثل بي بي، وشيل، وإكسون موبيل، سوق الغاز الموريتاني، وبشراكة استراتيجية مع الجارة الجنوبية، السنغال، والتي هي دولة المقر بالنسبة لمنظمة استثمار نهر السنغال.
استثمار نهر السنغال
يعتقد المفوض السامي الجديد، كغيره من أطر المنظمة، أن نجاح منظمة استثمار نهر السنغال في تسيير اتفاقيات تقاسم مياه النهر بين البلدان الأربعة المشكلة للمنظمة، يعد واحدًا من أكبر النجاحات التي حققتها المنظمة طيلة عقودها الخمسة، وإن لم يخل من خلافات، كادت تؤدي إلى أزمات بعض الأحيان.
«غالبا ما يكون توزيع المياه مصدرا للصراع»، لكن منظمة استثمار نهر السنغال نجحت في جعله أساسا للتلاحم الاستراتيجي بين الدول، يساعد على حلحلة ملفات الخلاف الأخرى، وسهلت الاتفاق على أولويات التنمية المشتركة.
لقد توصل المفوض الجديد إلى خلاصة سريعة مفادها أنه «من خلال النجاح، لمدة 50 عامًا، في العمل بطريقة موحدة ومنسقة لتنمية الموارد المائية، أظهرت الدول الأعضاء في OMVS أن منظمات الحوض فاعل رئيسي في صناعة السلام وتسريع التنمية المستدامة».
لذا فإن إجابته على سؤاله المركزي بشأن وظيفته الجديدة لن تتعلق فقط باستدامة هذه الروح التي تسري مع مياه النهر في عروق المنظمة، وإنما سيعمل على تعزيزها، متسلحًا بمصداقية نادرة يحظى بها النظام السياسي الحالي في موريتانيا بقيادة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
ستكون هذه المصداقية زورقًا جديدًا، أو سفينة، تعبر عليها المنظمة إلى بيوت التمويل العربية، فليس سرًا أن أهم المحافظ الاستثمارية العربية في الخليج تفتح أبوابها أمام جل المبادرات الاستثمارية التي يقدمها الرئيس الموريتاني، وسيكون استثمار هذه الفرصة واحدة من أهم أولويات المفوض الذي يحظى بثقة خاصة من الرئيس غزواني.