
- «بغداد_نيويورك» .. بين الأسلوب الروائي وكتابة المذكرات - 26 يوليو، 2020
- رحلة إلى «مدن الثلج» - 24 يونيو، 2020
- قصة الألم العراقي - 20 مايو، 2020
شُغلتُ حينًا من الزمن بأمر أدب الرحلات، فرحتُ أبحث عن الكتب الموضوعة أو المصنفة تحت عنوان (الرحلات) أدبية أو جغرافية أو رحلات تجمع بين الأدب والسياسة أو الأدب والتاريخ والجغرافية وما إلى ذلك من فنون، حتى أني عثرت على رحلات مكتوبة عن رؤيا في المنام كالرحلة التي كتبها (الوهراني) في كتابه الضخم «منامات الوهراني».
كما أذكر أني في حين من الزمن كتبتُ (سلسلة) مقالات ونشرتها متسلسلة في مجلة وحيدة لم يتهيأ أن تكون (ثانية) لها، وهي مجلة «الهدى» في أنبار العراق وكان العنوان الذي اتخذته لمقالاتي هو: من أوراق الرحلة، ومنها رحلتي إلى بعض البلدان الأوربية بعنوان «أوربا قدح الثلج» وما زلت أتتبع أمر الرحلات وأجمع كتبها حتى يقيض لي الله متسعًا من العمر والوقت لأنجز مشروعي الكتابي عنها.
مدن الثلج تصيغ حياة سكانها
ويأتيني كتاب الصديق «عادل رافع الهاشمي» تحت عنوانه الرامز «مدن الثلج»؛ فتبتهج نفسي بقراءته على طرافة وطراوة ما فيه عن مدن وصلها الرجل وأقام فيها وخالط أهلها وشم نسيمها وأريج حضارتها وقسوة ثلجها، وبرودة (الناس) الذي طبع الثلج شخصيتهم وعاداتهم وعلاقاتهم الإنسانية مع الآخرين.
لم تكن (مدن) الثلج مدنًا عابرة، ولم يكن الثلج (صفة) مؤقتة في حياتها، صار الثلج ينسغ المدن والناس، ينسغ حياتهم بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولا أبالغ عندما أقول أن الثلج صاغ حياتهم البشرية، صاغ مشاعرهم وارتباطاتهم، وأصبح الفاعل الرئيسي في شخصية أبناء تلك المدن.
وقد لامس (الهاشمي عادل) واقع تلك المدن وخالط أبناءها، وكانت له معهم (اختلاطات) شعورية تتنافر معه كابن (صحراوي). و(صحراوي) هو الوصف الأدق لجو مدن الأنبار التي يصل قيضها إلى درجة حرارة تذيب الجلود، وهنا اجتمع النقيضان في شخصه ما بين قيظ الأنبار والعراق وريحه اللافحة عمومًا، وما بين ثلج أوربا وريحها القارص كأنه سكين خفية.
ومدن الثلج التي كتب الهاشمي عنها فصول رحلاته وطبعتها «دار النخبة» للطباعة والنشر المصرية بطبعتها الثانية عام 2019م هي: ليالي لوزيرن، وبلوسيه .. البحيرة الزرقاء، قمم بيضاء فوق جبال الألب، أوبسالا.. مدينة الشباب، فاستروس مدينة الثلج، رحلة القراصنة، سفن مارتن، بحيرات بليتفتش.
ثراء معلوماتي ممتع
ولعل من الجميل البارز في هذا الكتاب إنه ممتع قراءة وذو ثراء معلوماتي يزيد في معرفة القارئ الذي لم ير في حياته سوى مدينته التي ولد وعاش فيها، أقول الجميل من سطوره الأولى التي أقتنص منها ما تقدمه السيدة الشقراء ذات الستين عامًا من خدمات لرواد فندق تعمل فيه قرب مدينة (ليون الفرنسية) وصاغ من خلاله إهداء الكتاب فقال:
«في منطقة ريفية تعود لمدينة صغيرة قرب ليون في فرنسا يغفو فندق هادئ على ضفاف نهر جميل، كانت هناك سيدة شقراء قاربت الستين عامًا تدير ذلك الفندق، تستقبل النزلاء بمفردها في استعلامات الفندق منذ الصباح وحتى المساء، تدير شؤونهم وتقدم لهم الفطور الصباحي وتشرف على المطعم في المساء، تقوم بعملها بنشاط وشغف قلَّ نظيره.
سألتها: سيدتي ألا تجدين صعوبة في هذا العمل المتواصل؟ ألا تعانين من التعب والإرهاق وأنت في هذا العمر؟ أجابتني وهي تبتسم: سيدي عندما أعود مساء إلى منزلي لدي أكثر من ساعة أقضيها مع أحفادي، هي كفيلة بأن تنسيني كل ما أبذله من جهد في يومي كله …
إلى أحفادي الرائعين الذين من خلالهم أرى الدنيا وبضحكاتهم أتفاءل بالحياة»
وختام القول الرجاء بأن يجد القارئ ما وجدته من متعة في فصول هذا الكتاب تمحو برودة الثلج في «مدن الثلج»