
تحت عنوان قراءة نقدية لقصة «جذور عنيدة» للقاص خالد مهدي الشمري نشرت جريدة «الراية» العراقية قراءة الكاتبة والناقدة التونسية سلوى البحري للرواية.
تقول الكاتبة: هكذا قرأت القصة… قد أتماهى في قراءتها مع كاتبها وقد لا نلتقي… كانت له متعة الكتابة ولي لذة التذوق…
بين الجذور والأبواب المغلقة رحلة عناء وسعي حثيث نحو الفناء… بين عناد الجذور ومفاتيح الأبواب رحلة حياة وإصرار على الوجود..
إن البطل وهو يجوس فضاءه الخارجيّ هربًا من الفضاءات المغلقة و أبوابها الموصدة انفلت أيضًا من غربته الوجودية فقد كان «يشعر أن الحياة تقترب من نهايتها» وفجأة وجدناه «ينتفض تاركا كلّ الهموم خلفه».
«جذور عنيدة» وأثر المكان
إن القارئ لابد أن يلاحظ أنّ للمكان في القصة كبير أثر. إنّه يوجّه أفعال الشخصية ويتحكم فيها كما يفضح مشاعرها.. إن البطل لما انتقل للفضاء المفتوح ترك قلقه وغربته حتى «توقف التفكير» عنده عند قصبة أمامه… والقصبة هي ولادة جديدة لحكاية جديدة… حكاية حياة تصارع الموت… القصبة هي البطل ومن خلفه الكاتب المتحكّم في اللعبة السرديّة كلّها… القصبة هي الإنسان في رحلة الوجود بكلّ انكساراتها وانتصاراتها… كم عصفورًا زقزق وشدا في دروبنا فرقصنا طربًا كما القصبة وما شكونا ثقله بل انحنينا له حبّا. ألا ننحني ونتنازل عن عروش كبريائنا لأحبابنا؟ ألا ننزل من عليائنا؟ ألم يشدو كاظم الساهر يومًا «يضرب الحب شو بيذل» ومتى هجر حبيب حبيبه لأنه ذلّه؟
ولكن إذا كان لشدو العصافير لذّته ومن أجله تهون أوجاع التذّل، فإنّ له جذورًا لا تحتمل نبش البط وما أكثر الطيور و النبش والنّهش في حياتنا… بين الشادي والجارح… بين من يزيدنا بهاء والتصاقًا بالأرض وبين من يعرّينا ويشغله اقتلاعنا من جذورنا ولكنّ القصبة التي استسلمت للنّسيم يراقصها وللعصافير تركعها تفاجئنا بصمودها وقد «تمسّكت بجذورها» كما الإنسان يحلّق في دنيا اليأس ولكنّه يتمسّك بالحياة… يغترب عنه ولكنّه يعود إليه إلى جذوره فيكون بعد تلاش وضياع.
البطل يكتشف إكسير الحياة
ولهذا لا نعجب من البطل وهو يبتسم فقد اكتشف إكسير الحياة «للأبواب المغلقة مفاتيح» ننحني لكننا لاننكسر.. «جذور عنيدة» أغلقت كل الأبواب بوجهه.. يشعر بأن الحياة تقترب من نهايتها، يتصفح أركان الغرفة ثم ينتفض تاركًا كل الهموم خلفه، تسحبه أقدامه خارجًا ليجد نفسه وحيدًا يتأمل بركة ماء.. تشده أصوات الطيور وحفيف القصب التي يسمعها، ظل ساهيًا يتأمل وعيناه تراقب كل حركة، حتى توقف التفكير عند قصبة أمامه!ترتقي بقامتها نحو السماء، الماء أصبح جزءًا منها..
ناي يعزف ما أن هبت نسمة هواء.. اعتادت الأجواء التي فرضت عليها، يعكس الماء صورتها , تتمايل راقصة مع زقزقة عصفور او تغريد بلبل، لا تنحني إلا إذا حط فوقها طير فتميل للقاع هاوية، لا تشتكي الطير، فتنهض مبتسمة ما أن غادرها أو طار بعيدًا، ولا تلك البطة التي تعتاش على جذورها، فإن زاد نبش انكشف الطين عن الجذر، يرتفع للسماء رأسها وتعرف بأن الموت يقترب، لكنها وإن تمددت وجدت فرصة حتى تمسكت جذورها بالأرض، أدهشه المنظر، نفض التراب عن يديه، وبسبابته يعيد حاجبيه إلى مكانهما وهو يبتسم.. للأبواب المغلقة مفاتيح.