إبداع

تعرف على مصير شباب بغداد في «عصر الغياب»!

الروائي «حسن الموسوي» أبدع في وصف أحوال العراقيين

فاطمه حفيظ
Latest posts by فاطمه حفيظ (see all)
في رواية «عصر الغياب» أبدع الروائي حسن الموسوي في الوصف المثالي للحالة الاقتصادية والاجتماعية التي عاشها شاب بعد تخرجه في الجامعة حينما سافر إلى بغداد من أجل البحث عن وظيفة، تمثل شخصه في حال الكثير من العراقيين خلال تلك الفترة من الزمن.
 
وقد كان والده رمزًا للأب الذي يخشى ضياع ابنه الشاب في مدينة كبيرة مثل بغداد وأبدى في نفسه غضبًا تجاه تصرف ولده الذي غادر ديار أهله وسبل معيشتهم وقرر أن يسلك طريقه في العاصمة.
 

بدأت تتفاقم أحداث الرواية حينما توطن شعور الابن بتطور شعور القلق تجاه غضب أبيه. وقد تميزت هذه الرواية بكثرة التساؤل الذي لا يقصد من ورائه أجوبة، بل تطوير تقنية التفكير لدى القارئ وإقحامه شخصيًا كجزء أساسي خلال مجريات هذه الرواية.

إشارات تاريخية دينية في رواية عصر الغياب

ونجد في بدايتها إشارات تاريخية دينية في قوله: «ماذا لو أخبرهم احدهم بأن سليمان وجنوده قادمون إلى واديهم؟.. هل سيهربون إلى مساكنهم؟ أم أنهم سوف يكملون يومهم غير آبهين..؟) وهنا يتجدد وصف دقيق بحالة البلادة التي وصل إليها الشعب العراقي بسبب معاناته المتواصلة. وقد أشار الروائي قبلها بشكل ساخر إلى مظلومية الشعب اقتصاديًا وحرمانه من إيرادات النفط التي احتكرتها الحكومة العراقية من دون مراعاة لحاجيات شعبها.

وتظهر في رواية «عصر الغياب» قصة حب ذات نهاية مأساوية تدور حول حبيبة البطل، الطالبة الجامعية التي أحبها حبًا أفلاطونيًا ووجدانيًا متلاحمًا جعله لا يكف عن استرجاع ذكراها الجميلة كل مرة بعد أن تركته دفعة واحدة وانقطعت عن دراستها وأخبارها معًا حتى فوجئ في انقطاع لتلك الحيثيات الوجدانية، ونزول خبر وفاة والده بعد اتصال هاتفي من أحد أبناء عمومته، وتحولت كل حياته إلى لحظة قاسية من الحزن والنحيب وجلد الذات المستمر، وشعر البطل بأنه قد أصيب بحالة وجدانية قوية من الحزن وهول الفجيعة التي اعتصرت قلبه خلال مراسيم دفن أبيه مبرزًا خلفية الانتماء للمذهب الشيعي وطقوس الفاتحة ونقل الجثمان بمقبرة وادي السلام بمدينة النجف، وهنا تتضح إمكانية المجتمعات الصغيرة البعيدة عن المدن الكبيرة بالتجرد من الارتباط الديني مهما بلغت ذروة معاناة الإنسان وأوجاعه.

فانتازيا الرجوع إلى الماضي

ويتمكن البطل من العودة مجددًا إلى بغداد باحثًا عن علاج لمعاناته وهدوء روحه من ألمها وعتابها، فنرى مشهدًا للبكاء واللحية الطويلة كمظهرين للحزن. وتتسارع الأحداث ليقطعها (الحاج محمود)، الرجل العطار، الذي صنع للشاب خلطة تساعده على الانتقال إلى عالم الأموات والرجوع إلى الماضي كي يلتقي بأبيه طالبًا غفرانه ومسامحته، ونستشف هنا جانبًا آخر من الحياة الروحانية التي يرتبط بها المجتمع العراقي في تسوية مشاكله بعد اليأس من واقعه، وانتقل من غيمة إلى أخرى، ويضيق خناق تلك اللحظات بتحديد مدتها الزمنية ورهن كل تأخير ببقاء الشاب أسيرًا بين الأزمنة، وأخذ الروائي يلقي بفن التخيلات التي تصنع حالة من الرضا وتحد من تأنيب الضمير. وبالفعل، تمكن الولد الشاب من لقاء أبيه وطلب غفرانه، وكانت تلك اللحظة نسجًا من الفرح والحزن لأنها في الحقيقة لم تكن واقعًا: (تلك الأوهام ما لبثت أن تلاشت حينما رآني وأنا أقترب من سطح الفندق …). 

رحلة الغيمة الأخيرة

وتنامى الشعور الجميل الذي صنعته الغيمة، فقرر الشاب اعتلاء صهوة الغيمة للمرة الثانية وتناسى نفسه في رغبة الرحيل نحو حبيبته، وبمشاهد وتحولات وجدانية متتالية، يستكشف سبب فراقها منه قد كان بسبب زواجها، وهنا نرى بداية لانفراج أزمة الضمير وتحرره خلال رحلاته من مفهومي الزمان والمكان و مسؤولية الشعور بالذنب.

وفي رحلة الغيمة الأخيرة، وقد كانت المحطة إلى البصرة، رمز العراق التاريخي وشريانه الاقتصادي، ليجد (الحاج مهدي) الموصى من (الحاج محمود)، وليتمكن الشاب من ذكر ذكرى تاريخية تتعلق بمدينة البصرة وهي (مهرجان مربد الشعري) الذي يعتبر معلما ثقافيا عربيا لأهمية المنطقة اللغوية والأدبية على مر العصور..، وتم ذكر (مصيبة كربلاء) ومجريات تكرارًا مجالس ذكرى الحزن في موقعة الطف التي كان لها تأثير عميق على المرجعية الثقافية والاجتماعية للمناطق الواقعة جنوبي بغداد وترتبط في الرواية هذه القصة التاريخية بقصة الشجرة ودلالتها الروحية العجيبة.

مفاهيم متداخلة للماضي والحاضر

استمر الزمن يعود إلى الوراء حتى سنة 2003، وبعد عودته إلى مدينة بغداد، يرمز الروائي إلى شخصية برايمر والتي كانت تمثل أيام الغزو الأمريكي للعراق، ولعبتهم القذرة، وخلال رؤيته له يطلق وعوده للشعب العراقي واجهه الشاب بأنه مجرد (كذاب كبير)، وبعد اكتشافه أنه عائد من المستقبل، وأنه قد علم بكل مجريات اللعبة القذرة في نظام العملاء والمصالح الأمريكية، تم قتله وإطلاق النار عليه، وكان خلال اللحظة الأخيرة تلك فخر الأب بابنه.

لم تكن لغة الرواية من اللغات الفكرية المألوفة، فقد صبت بذهن القارئ أحوالًا وأهوالًا كثيرة حول مفاهيم متداخلة للماضي والحاضر، ويبدو أن الروائي قد أصاب بشكل ممتاز في نقل القارئ بين أحداث تاريخية كان لها الوقع الكبير في تغيير الحاضر العراقي من سياسة واقتصاد وأزمة تبعية استعمارية غير مباشرة من خلال العملاء الذين نصبهم الأمريكان، كما نجد أيضًا الوجود القوي لشخصية الروائي الوطنية والجماعية التي نزف لها كل الشعب وسدد ثمنها سنين طويلة.

وفي نهاية هذه القراءة البسيطة لهذه الرواية الرائعة، أتمنى للروائي والكاتب القدير مزيدًا من النجاح والتوفيق والإثراء في أعماله الأدبية بمختلف قيمها الوطنية والوجدانية.

المصدر: أخبار الخليج

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى