
Latest posts by عماد الدعمي (see all)
- قراءة في.. «ديوان الحسناوي» - 8 يونيو، 2021
- «من قلبي تولد الحروف».. اقتحام الوجدان - 20 مارس، 2021
- قراءة في ديوان «السمراء ذات الخال بكامل أريجها» - 7 مارس، 2021
قد يتساءل الكثيرون عن سرّ إعادة النص وشرحه وتأويله والوقوف عليه والتأليف فيه ودخوله في المناهج الدراسية والاستشهاد به لطوال قرون مضت. كما ورد في شعر عصر الجاهلية وبالخصوص المعلقات التي حيرت الكثيرين من الباحثين والناقدين والمهتمين بعلوم البلاغة والبيان وأسرار اللغة وعلومها.
فمنذ قرون مضت و ما زالت سطوة الشعر والشعراء على النفس البشرية مؤثرة في كلّ مكان وزمان، وما زال طلاب العلم يبحثون وينقبون بل ويحصلون على شهادات علمية عالية كالماجستير والدكتوراه، في نصوص شعرية قد فرضت هيمنتها على جميع المتخصصين في علوم الشعر والأدب.
وقد يعود ذلك إلى الرصانة الشعرية لدى الشاعر، فمن ينكر أن من تعايش مع الشاعر الجاهلي (الحطيئة) كان يهابه لأنه اشتهر بالهجاء، وكذلك (جرير وبشار والمتنبي وغيرهم) ولنا عدة شواهد أدبية بذلك نكتفي بذكر (الفرزدق) الذي لقَّن هشام بن عبد الملك درسًا عجيبًا حينما أنكر الوالي الإمام علي بن الحسين عليهما السلام في موسم الحجيج .
ونحن لا نشك أن سر التفوق هو براعة الشاعر فكثيرون هم الشعراء الذين لم يظهروا على الساحة الأدبية إلا هامشًا يُذكر رغم غزارة شعرهم، وعكس ذلك هناك من برزوا بقصيدة واحدة كزريق البغدادي وشاعر قصيدة «لهفي على دعد»..
سطوة الشعر على المتلقي لها أثر كبير
إن سطوة الشعر على المتلقي لها الأثر البليغ على الذات البشرية، فقد يهزك بيت شعر واحدٍ ويقطن جنبات قلبك وعقلك ووجدانك وكأنه ملازمٌ لك أينما تمضي.
هنا يتطلب منا الوقوف على مسألة مهمة جدًا وهي براعة الشاعر في محاكاة الذات البشرية والتأثير عليها وشدّها للنص الشعري في كلّ زمان، فمن منا ينكر وقوف الشعراء القدماء على الطلل بطريقة تهز الوجدان والكيان ..
ومن منا لا يقف على عنتر بن شداد وهو يقول:
هل غادر الشعراء من مُتردم ..
أم هل عرفت الدار بعد توهم …
ومن منا لا يمنح وجدانه للملك حينما يقول:
أغرك مني أن حُبّكَ قاتلي
وأنك مهما تأمري القلب يفعلِ
قوة النسيج الشعري تأتي من براعة الشاعر
ومن ذلك والكثير من الشواهد يتجلى أن قوة النسيج الشعري وسطوته تأتي من براعة الشاعر من خلال ولوجه بوجدان المتلقي، ومن ذلك ينتج التفاوت بين الشعراء.
إن غاية الشاعر التي يسعى إليها هي الإبلاغ أو التأثير أو الإفهام، وقد لا يتجلى ذلك عند الشعراء إلا من خلال الأسلوب الخاص عند الشاعر، فالكل يعلم أن المفردة تخاطب النفس البشرية بتعدد عنوانيها ومدى قدراتها على التلقي.
وما نريد أن نصل إليه هو أن الشاعر إذا نجح في مخاطبة العدد الأكبر من المتلقين بغض النظر عن سعة مداركهم ومدى ثقافاتهم، فهو شاعرٌ مجيدٌ دون أدنى شك، لأن سطوة الشعر على الوجدان وتحريك مكنونات الذات البشرية يتطلب براعة فائقة في جميع فنون الأدب وليس الشعر فحسب.
وهناك أمرٌ واقعٌ ومهم جدًا وللغاية وهو أن الأجيال المعاصرة والحديثة رغم التطور الهائل والتغيير العالمي الحديث حينما يقفون على دراسة الشعر القديم، تجدهم يتأثرون أيضًا ويستسيغون الجمال وذلك يعود لقوة النص التي تحاكي النفس البشرية في كلّ الأزمنة، وليس معنى ذلك أن النصوص الحديثة غير فاعلة ولكنها تحتاج زمن طويل حتى تقف عليها الأجيال المعاصرة.
ومن ذلك نستنتج أن سر الأصالة في النص الشعري يعتمد على ركيزة الإبداع الذي يتجدد في كلّ حين.