إبداع
«سيما ليلى» ملجأ ليالي الشتاء
يكون الشغف العام لترى نفسك أنت البطل أو تعجبك البطلة فتعيش معها قصة هيامك

Latest posts by أحمد حسين (see all)
- علي بيرو … وكوكي - 13 يناير، 2021
- ما وراء الأبواب! - 9 ديسمبر، 2020
- في الطريق إلى سبورتنج - 6 نوفمبر، 2020
خرجنا من مسرح قيس وعودة إلى سينما «ليلى» وتقع عيناك على (أفيشات) أبو شوقي والمليجي والدقن، ثم الوجوه الجديدة للشباب، حسن يوسف ومحمد عوض وعادل إمام..
تدخل صالة السينما عبارة عن صالة والبلكون، الفرق بينهما مقاعد خشبية مقوسة مصنوعة من خشب بانوه صلد مجمعة بمسامير غليظة بصواميل.. تنغز في ظهرك.. ثم إضاءة خافتة لا تكاد ترى إلا أصابع يديك، و يبدأ العرض.. بجريدة مصر السينمائية وتظهر أخبار عن الرئيس أنور السادات، ثم كارتون لميكي ماوس، ثم يعلو الصمت وتبدأ موسيقى الفيلم الأول..
كنا نتهامس ونرقب مواصفات الفيلم وكم يزن لنعرف مدته و.. كعادة السينمات الشعبية يكون الشغف العام لترى نفسك أنت البطل أو تعجبك البطلة فتعيش معها قصة هيامك وتبثها نجواك دون أن تدري.
في الظلام تستوي الأحلام
ففي الظلام تستوي الأحلام وتتعاظم ولا تنتهي بحد.. إنما مفتوحة على كل الحدود، لا ينقذك منها سوى الكاشفات المضيئة حينما تعلن عن استراحة قليلة تسمح لبائعي البسيمة والبيبسي والشاي.
كانت سينما ليلى تنتظر أن تنتهي الأسابيع الأولى للأفلام في السينمات الكبرى لتتوالى العروض لأفلام مقصوصة في المدة والمشاهد.. كان الجمهور متفاتلًا مع الشريط الضوئي الذي يخترق بطول السينما.. و.. كان دخان عامل البوبينات الذي يدخن السجائر الرخيصة يخرج علينا من الفتحة الصغرى القابعة في الخلف، وكنا نعزم عليه بسيجارة من الشباك الصغير ولم أر في حياتي شخصًا اجتمع عليه الناس بالدعوة للصمم مثله!
عندما يضيع الصوت ينادي جميع من في السينما (إعدل يا اطرش)
مجتمع ظلام السينما هو مجتمع الهتّيفة والصراخ الصامت فيما بداخلك تجاه من وجدته يسمع صراخك.. المكان الوحيد الذي تصرخ أنت فيه وتختبئ في الجموع.. فلا عيون ولا رؤية ولا أنت ولا هم فقط؛ هو الفراغ الذي صببت فيه بقايا دوشتك وزحام دماغك..
كنت أرى أن السينما أشبه بكرسي الدكتور النفسي؛ نوع من العلاج المبحوح والسلوى لأولئك العائشين في دواخلهم ولا يبرحونها، هذه اللحظات البعيدة عن الشمس وعن الصدق… اللحظات الوحيدة التي ترى فيها كيف أنك شخص مختلف في هذا المكان وتشعر أحيانًا أنك لا ترغب في شيء إلا أن تكون في هذا الظلام الخافت.. لا في أي مكان آخر بهذا العالم، كل ما تريده أن تجلس مرتاحًا.. خالي البال، معتدل المزاج، لا تفكر بشيء، إلا لتتابع قليل من الضوء المتحرك وهو يضحك عليك بقليل من الحركات والصوت وأنت راضٍ عن كل هذا الضحك.
أفلام سينما ليلى
كم تضاحكنا ملء قلوبنا على مشاهد جرّت ضحكاتنا جرًّا.. ومشاهد أغرت بكارة نشوتنا… ألا قاتل هؤلاء الصناع حين داعبوا فينا نشوتنا وغرائزنا.. وداعبوها كطفل يلهو أمام أسد محبوس في حديقة حيوان؛ فلا الأسد قادر على التهام الفريسة، ولا الطفل يشبع من حركات الأسد، وتساءلنا أن دوران الحياة قد يتوقف من أجل متعة لا تدركها كهذه؟
أو كأنك تشتهي طعامًا في فاترينة محل من خلف زجاج، وإذا انتهوا من مداعبتك، فلا شيء له قيمة أو أذل للنفس منه وسرعان ما تعود بعد قليل.. دخلنا هذا العالم لنستنشق عبير حياة تراود الخيال.. لكن.. للأسف انقطع الخيال… لم تكن كل أفلام سينما ليلى تلهب مشاعرنا وعواطفنا وتثير فينا نشوتنا فقط.. بل كان أبو شوقي يشد الآهات والتصفيق وهو يدخل الحارات والحواري بحثًا عن المليحي والدقن ليوسعهم ضربًا ونصفق نحن في سعادة..
شاهدنا سينما شباب السبعينات في فيلم (إخواته البنات) بكوميديا وحيد سيف وبطولة ناهد شريف.. ثم فيلم (الأبطال) أول فيلم كاراتيه مصري.. لفريد شوقي، أحمد رمزي، منى جبر، غسان مطر، محمد صبيح، عبد العزيز أبو الليل، في هذه الفترة كانت أفلام (القبضة الحديدية) لنجم العالم بروسلي.. ولولي وظاهرة افلام العنف والكاراتيه.
سينما ليلى.. كانت سينما الترسو الجميل.. لذلك لم يكن مستغربًا أن تجدها تجتذب الجميع وخاصة الشباب الذين يبحثون عن البطل الذي يتصدى للأشرار أو يتغلب على المآسي، سينما الترسو.. «سيما ليلى» ملجأنا في ليالي الشتا.. نتواعد ونتجمع و لا صوت يعلو على رائِحة ردهات السينما، إنها تعيدُ النفس إلى الحياة. تحية لسينما ليلى.. وسينما براديسيو.