
Latest posts by د.تامر عزالدين (see all)
- أبيض وأسود - 22 فبراير، 2022
- البطل المفقود - 9 أكتوبر، 2021
- حصان طروادة - 28 أغسطس، 2021
حال أمريكا بجلالة قدرها ومكانتها العسكرية والاقتصادية كقوى عظمى وهي تعاني ويرتفع نحيبها أمام «الكورونا».. يفكرني بقصة (السماك وهارون الرشيد).
«دخل ابن السَّماك يومًا، على أمير المؤمنين هارون الرشيد، فوافَق أن وجده يرفع الماء إلى فمه ليشرب فقال: مهلًا يا أمير المؤمنين. فلمّا وضع الماء قال له: أستَحلِفُكَ بالله تعالى، لو أنّك مُنِعْتَ هذه الشربة من الماء، فبِكم كُنتَ تشتريها؟ قال: بِنصف مُلكي، قال: اشرب هنأكَ الله.
فَلمّا شرب قال: أستحلفك بالله تعالى، لو أنكَ مُنِعْتَ خروجها مِن جوفِك بعد هذا، فبِكم كنت تشتريها؟ قال: بمُلكي كله. فقال: يا أمير المؤمنين إنّ مُلكًا تَربو عليه شربة ماء، وتَفضُلُه بَولةٌ واحدة، لخليقٌ ألا يُنافَس فيه، فبكى هارون الرشيد، حتىّ ابتلتْ لِحيَتُه».
فكل أموال العالم وكل النفوذ والسيطرة لا تساوي نَفَس خارج لا يستطيع الدخول، أو داخل لا يستطيع الخروج!
أمريكا تواجه الحقيقة المرَّة
وأمام ازدياد عدد حالات الإصابة بفايروس كورونا الذي يتصاعد بالولايات المتحدة الأمريكية، نري الحكومة والمستشفيات الأمريكية نفسها، أمام حقيقة مُرَّة هي، أنَّ ليس لديها عدد كافي من أجهزة التنفس الصناعي تكفي العدد الكثير من الإصابات الحَرِجة حال تصاعُد انتشار الوباء.
نعم.. تخيَّل معي أمريكا التي تصدِّر هذا الكم الهائل من الأسلحة المدمرة، والهواتف النقَّالة بأحدث التقنيات الحديثة، والأفلام الهوليودية التي تتكلف ملايين الدولارات، لا يتوفر لديها أجهزة تنفس صناعي تكفيها لمواجهة وباء، مشكلته أنه يهاجم الرئة ويجعل النَّفَس أغلى من كل هذه التكنولوجيا الحديثة.
ونقلًا عن صحيفة (نيويورك تايمز) أن إدارات عدد من المستشفيات الأمريكية صرحت بأنه ليس هناك مصدر مُتاح لتصنيع أو استيراد المزيد من أجهزة التنفس الصناعي، والتي تمثل فارقًا بين حياة أو موت الحالة المصابة..
ونظرًا لأن معظم شركات تصدير تلك الأجهزة أوروبية، وبما أن دول (أوروبا) تواجه تصاعدًا بانتشار كورونا، فقد أوقفت تلك الشركات تصديرها لتلك الأجهزة لأى دولة بما فيها أمريكا.
وأضافت الصحيفة إن أزمة نقص الأجهزة تواجَه بقدرٍ من الاستهانة من قِبَل المسؤولين الحكوميين الأمريكيين، وعلى رأسهم الرئيس دونالد ترامب، الذي قال لحكام الولايات الأمريكية: «فلتجدوا تلك الأجهزة بأنفسكم».
قصور عالمي في أجهزة التنفس الصناعي
ويقول (أندريا ويلاند) مدير شركة هاملتون ميديكال السويسرية، أن لا مجال لتلبية حاجات جميع زبائن الشركة من أجهزة التنفس الصناعي، فحتى بعد زيادة عدد موظفي وعمال الشركة، لم تستطع الشركة تغطية جميع الطلبات فعندما طلبت إيطاليا 4000 جهاز لم تستطع توفير سوى 400 منها.
ويُذكر أن لدى المستشفيات الأمريكية 160 ألف جهاز تنفس ولديها في الإحتياطي الطبي الإستراتيجي، نحو 13 ألف جهاز، وهي كلها أعداد غير كافية لاستيعاب تزايد الحالات المتوقعة، وفقًا لتوماس فريلان، مدير مركز السيطرة على الأوبئة السابق بأمريكا، علاوة على أن ثمن الجهاز الواحد يكلف 50 ألف دولار.
وتستورد أمريكا نصف احتياجاتها من أجهزة التنفس من شركات أجنبية، أبرزها شركتي، دروجار وجيدانج، وبالمقابل توجد أقل من 10 شركات أمريكية تنتج تلك الأجهزة أبرزها، جينرال الكتريك وميدترونيك، وهي لا تستطيع توفير الكثير من الأجهزة بالوقت الحالي، نظرًا لأن بناء الجهاز معقد ويحتاج لمئات القطع المستوردة من الخارج، وذلك غير متاح بسبب تصاعد الأزمة بجميع الدول.
وقد صرح في وقت سابق مدير شركة اتحاد المنتجات الطبية التي تنتج سنويًا 1000 جهاز، إن رفع معدل الإنتاج لديهم إذا تم طلبه سيستغرق 8 أشهر من الآن.
مضيفًا: إن زيادة الإنتاج تتطلب جلب المزيد من العمال للمصانع، في وقت تحذِّر فيه السلطات من الخروج وجلب العمال، سيشكِّل عبئًا ماديًا على الشركة التي ستشتري الأزياء الواقية ومنظفات الأسطح لوقاية عمالها.
أمريكا تنتقي من يظل على قيد الحياة
وبغياب العدد الكافي من أجهزة التنفس الصناعي، يتوقع أن تلجأ المستشفيات الأمريكية لقرارات التخيير بين المصاب الأكثر حاجة للجهاز، والمصاب الذي يتم فك الأجهزة عنه ليلقى مصيره.
وجدير بالذكر، أن الصين منذ زادت فيها أعداد الإصابات أفرغت الكثير من محتويات سوق أجهزة التنفس العالمي، بينما قامت دول مصدِّرة لتلك الأجهزة كإيطاليا وكوريا الجنوبية، بحصر إنتاجها للاستعمال المحلي، لشدة حاجته..
ويقول مدير شركة فينتيج بسياتل الأمريكية (كريس كيبل)، إن هاتفه لا يتوقف عن الرنين من قِبَل مديري المستشفيات وحكّام الولايات، وحتى بعض الأثرياء المطالبين بأجهزة لهم، ويقول كريس إن هذا ليس حال شركته وحدها بل هو حال الجميع.
و قد صرَّح (ترامب) أنه يدرس تنفيذ القرار 150، الذي يُلزِم المصانع العسكرية بالمشاركة في صناعة المواد أو المستلزمات الحيوية بحالات الطوارئ.
ويقول الدكتور (جريج مارتن) رئيس مجتمع أطباء الرعاية المركزة الأمريكية، إن هناك مشكلة أخرى وهي، حتى إذا تم توفير الأجهزة فهناك الحاجة لتعيين متخصصين للعمل عليها، والذي يتطلب تدريب أحدهم سنين، لذلك هو يريد استيراد تلك الخبرات من خارج بلادهم.
الرعب يسود البيت الأبيض
الكل في البيت الأبيض مذعور خوفًا من أن تمنعه الكورونا من أخذ نَفَس، في حين أنهم من شهور قليلة كانوا يتنافسون لمنع النَّفَس عن الكثير في أنحاء العالم بقنابلهم، وأسلحتهم الفتاكة، ومن ورائها سياستهم المجرمة والاستعمارية الداعمة لإسرائيل التي خنقت قطاع غزة بمعونتهم.
ولكن أمريكا لن تتعلم الدرس!..
لن تبكي مثل هارون الرشيد، بل ستظل في غيّها؛ لأنهم لا يؤمنون إلا بالقوة المادية، وبمجرد أن تزول الأزمة ستتجه فوَّهات مدافعهم وطائراتهم، تبحث في أرجاء العالم كيف يمكنهم تعويض خسائرهم التي كبدتهم الكورونا إياها.
فهي دائمًا تبحث عن من يدفع عنها الفاتورة..