صوت الضمير في «معبر لتين»
تصوير الواقع بشكل جذاب للقارئ بكل جوانبه السياسية والاجتماعية والرومانسية بدقة وواقعية

- صوت الضمير في «معبر لتين» - 4 مارس، 2023
تخطف الكاتبة الدكتورة إيمان مرزوق الأنظار بروايتها الجديدة «معبر لتين»، فمن الصفحات الأولى تنصب الفخ للقارئ من خلال العنوان الغامض والمبتكر «معبر لتين»، لتجعله يتلهف بشدة عن مكان وجود هذا المعبر الغريب، الذي لم يسمع عنه من قبل في الجغرافيا، ثم بتقنية سرد في غاية التشويق، ثم بتحكمها في نسج شخصيات الرواية بكل تفاصيلها وعواطفها، لتجعلنا نتابع، ونتابع بشغف لما سيحدث لهذه الشخصيات من أحداث .
وتميزت هذه الرواية بتصوير الواقع بشكل جذاب للقارئ بكل جوانبه السياسية والاجتماعية والرومانسية بدقة وواقعية شديدة، رغبة منها في معالجته.
إضاءة إبداعية على رواية «معبر لتين»
والآن نبدأ في تسليط الإضاءة الإبداعية والنقدية على رواية «معبر لتين» للكاتبة المتألقة الدكتورة إيمان مرزوق.
بالنسبة للعنوان، جاء العنوان به نوع من الغموض والإبهام؛ ليجذب القارئ للدخول في قراءة الرواية، ليعرف ما هو معبر لتين ويكتشف بعد ذلك أن معبر لتين ليس معبرًا ماديًا ننتقل من خلاله من مكان إلى مكان مثل معبر رفح الحدودي الذي يفصل بين مصر وفلسطين وغيره من المعابر، وذلك لأن الكاتبة أرادت أن توصل لنا دلالات أعمق بكثير من مجرد كونه جسر مادي يفصل بين دولتين فقد جعلته معبرًا مجازيًا ننتقل عليه من مكان تراكمت فيه الخطايا والذنوب والهموم وضيق الصدر، إلى مكان ينكسر فيه الصمت ويعلو فيه صوت الحق ويشع فيه نور العدل والرخاء من خلال كلمة (معبر) التي تعني المروروكلمة (لتين) التي تعني الحسن والجمال والأخلاق الحميدة.
شخصيات الرواية
بالنسبة للشخصيات جاءت بعض الشخصيات مناقضة لمعناها ودورها في الرواية وذلك من أجل إحداث المفارقة بين اسم الشخصية ودورها ومن هذه الشخصيات:
(فريد مهران) شخصية مدهشة رسمتها الكاتبة ببراعة بدون زيف أو تصنُّع أظهرت لنا ما بها من تناقض وصراع داخلي، فهو صحفي مشهور جدًا وانتهازي ووصولي يمجد بكلماته من يراه الناس ذئبًا أو تعلبًا يبيح لنفسه استخدام جميع الوسائل من أجل اعتلاء المراكز والمناصب والأموال الطائلة، لكنه يترك زهو المال والسلطة ويتجة إلى الهداية عبر معبر لتين.
(أمين بك) رئيس فريد في العمل رجل محنك، شديد الذكاء والتنبه لقضايا المجتمع، يحيط بكل التطورات التي تحيط بمجتمعه، لا ينطق عن الهوى، كل كلامه يخضع لميزان العقل السليم والتفكير الواعي، يمثل الحاشية التي لا تهتم هموم الناس ، ويحجب الصورة الحقيقية عن هموم الناس من إيهام الحاكم وإرضائه.
(وفيق) يعمل مع فريد، اسمه متناسق مع شخصيته ودوره في الرواية، يمثل نموذجًا للإنسان البسيط الذي يتطلع للعيش بكرامة، ناقم من وظروف الحياة وارتفاع المعيشة، ورغم ذلك كان يحب فعل الخير ويكره الحرام بكل أشكاله.
(صابرين) زوجة فريد، جاء اسمها متناغمًا مع دورها في الرواية، وأضفت الكاتبة على هذا الاسم دلالات متنوعة مثل التحمل والتجلد والصبر دون شكوى؛ فقد احتملت حماقات فريد، ولم تتركه يتهاوى في بئر الذنوب، وهناك العديد من الشخصيات التي تصور صوت الضمير مثل: أمه، رؤية والده في الحلم.
الحبكة واللغة
بالنسبة للحبكة؛ كانت مترابطة جدًا ومتوازنة، والانتقال من حدث إلى حدث ممتع للغاية. وبالنسبة للغة؛ حطمت الكاتبة إيمان مرزوق، الاستخدام المألوف للغة الرواية ومارست تمردًا عليه لما يتميز به الموروث من رتابة وتقريرية، واستخدمت الإيقاع الموسيقي والألفاظ المشحونة بالعواطف، والصور الخيالية الجميلة، مثل: «كان يبدو عليه الإعياء كأنه ناج من معركة خطيرة، تتقاذفني الأسقام، تعصف به الظنون، تطارده الأفكار».
بالنسبة للحوار؛ جاء الحوار ملائمًا لمستوى الشخصيات ونابعًا من ذاتها، وكشف لنا عن أبعادها الاجتماعية، والسياسية ،والعاطفية، وميولها، وعواطفها، وشعورها الباطن، وهو ما يطلق عليه البوح أو الاعتراف. كما ساهم الحوار في تنمية الحبكة والتنبؤ بالأحداث القادمة واستحضار الأحداث المفقودة. وقد اعتمدت الكاتبة على الحوار الداخلي أكثر من الحوار الخارجي، يقول فريد مهران : «يا إلهي… لماذا أنا تبتليني كل هذا البلاء؟ لم أكن أتمنى سوى طفلًا سليمًا يحمل اسمي، ويكمل تاريخي، ويرث كل ما حصدته من ثراء؟ لماذا أعاني بوجود ذلك الطفل الذي لم يجعلني أهنأ منذ جاء إلى هذه الدنيا؟ ليته يرحل، ليته ما جاء. لماذا لا تأخذه وترحمني من كل هذا العناء؟».
تقنية الحلم في الرواية
بالنسبة للأشكال السردية؛ استخدمت الكاتبة ضمير الغائب (هو) وهو أسطورة الضمائر السردية، وذلك لما حققه من شيوع في الرواية، ولأنه وسيلة هامة تختفي وراءها الكاتبة، لتعرض ما تشاء من أفكار وقضايا.
كذلك استخدمت الكاتبة تقنية الحلم، وهو من أهم التقنيات التي تكشف الحجب عن عالم الشخصية النفسي، وتنير اللوحة الداخلية للشخصية، وتكشف عما يدور بداخلها من هواجس في العقل الباطن، وقد عكس الحلم في رواية (معبر لتين) حالات القلق، والخوف، والألم، والتوتر، الذي يعاني منه فريد مهران بطل الرواية، تقول الكاتبة عن حلم فريد مهران: «انزلق فجأة صوب منحدر شديد الخطورة، تبتلعه أروقة متاهة، صرخ مرتعدًا مذعورًا… والدي… كيف وصلت إلى هنا؟ لماذا ترمقني هكذا؟ ماذا بك؟ لماذا كل هذه القسوة في العيون؟… البئر يا فريد… أبي… ماذا تقصد. أين أنت..؟».
النهاية الساحرة للرواية
بالنسبة للنهاية؛ جاءت النهاية مفتوحة، والنهاية المفتوحة لها سحرها الخاص وطاقتها الكبيرة على إثارة المشاعر، وهي تفسح المجال للقارئ لكي يبحر في تأويلاته المتعددة، ليصل إلى نهاية منطقية تروي عطشه، لذلك تركت لنا الكاتبة النهاية مفتوحة لكي يبحث القارئ عما يريد.
وأخيرًا، أقول للكاتبة الدكتورة إيمان مرزوق بعد نقد وتحليل إصدارتها الثلاثة فرق توقيت، مجاذيب النشوى، ومعبر لتين، أنت حقًا جوهرة من جواهر الإبداع وأتمنى لك دوام الإبداع والتميز.
قراءة نقدية لرواية معبر لتين الصادرة عن «دار النخبة للنشر والطباعة والتوزيع»