إبداع

عجوز القصر

هي ليست مثقفة تدعي المعرفة حين تسأل عن أخبار «كورونا»

حبيب درويش
Latest posts by حبيب درويش (see all)
تترقب الأنباء، تسأل هذا وذاك عن آخر أخبار الوباء بالجزائر، أصبحت حينما تجتمع ببقية المقيمين بهذا المكان من المسنّين الذي يسميه أهله «قصر العجزة»
يتضايق منها البعض، و يشتمها البعض الآخر، هي ليست مُملّة كما يُعتقد لأوّل مرّة! ولا مثقّفة تدّعي المعرفة حين تسأل عن أخبار «كورونا»! بل هي تداري هلعًا وخوفًا باتا يسكُنانها منذ تفشي الفيروس بالعالم كلّه،أصبحت أكثر عصبية ممّا كانت عليه منذ أشهر مضت،حتى أنّ طبيب الدار -بعد أن فشلت كل الطرق التربوية والنفسية – قرر أن يعطيها شيئًا من الأدوية المهدّئة، لعله تُحسّن بعضًا من مزاجها العصبي.
وفعلًا بعد مرور الأيام الأخيرة من شهر رمضان صارت هادئة لكن شاردة طوال النهار، تزين وجهها ابتسامة بلمحة فرح ممزوجة بطعم الاشتياق، لكن في الحقيقة هي غير ذلك كلّه، تحاول ومنذ سنوات التأقلم على المكان، وعلى قصصه التي تسمعها يوميًا حتى أنّها باتت تحفظها عن ظهر قلب، كان كلّ هذا ولا يزال يحرّك الغثيان بداخلها، يذكّرها بأبنائها (محمد و سعاد) كيف هانت عليهما أمّهما؟!
عبارة تكررها يوميا كلّما فتحت عينيها صباحًا، كلمات تنتزع حلقها،، بل تخترقه كالرصاص، تشقّ أوعيته لتمر فتنادي عليهما..
-أيّها الجاحدين! الأيام كفيلة بأن تجعلكما تتأقلمان مثلي فلا تقلقا.

انتظار أخبار عن الأبناء

كانت أيامها تمرّ، فقد مرّ شهر رمضان ولم ترَ خيالهما، كما لم ترَه منذ سنوات طويلة مرّت. اليوم هو اليوم الأول من أيام العيد، تشعر بازدراء مَنْ حولها مِنَ المقيمين، من آلاف الساعات الروتينية المُملّة، يمسحون أوجههم المبلّلة بالدمع، لم تعد تدري إن كان ذلك من الاشتياق مثلها أم هي تلك فرحة عيد فطر هؤلاء الذين ينتسبون لقصر العجزة باختيارهم أو رغما عنهم.
مع حلول المساء، كانت قد سكنتها حُمّى وضيق تنفس، جعلا الطبيب يشكّ في إصابتها بالفيروس اللعين كورونا، بعد ظهور النتائج في اليوم الموالي، كانت قد تأكّدت إصابتها، عزلت بغرفتها، لم يتغيّر بالنسبة لها أي شيء، فهي منذ سنوات تعيش حظرًا قاسيًا من أبنائها، كان أملها أن تظل حيّة حتى اليوم الثاني من العيد، لعلّ الله يهدي أولادها فيزورانها لتُودّعهما الوداع الأخير، لكن الله أراد لها ولهما شيئًا آخر..
مع بداية ثلث الليل الأوّل، دخلت عليها الممرضة تريد مناولتها العلاج، لكنّها تفاجأت بموت نزيلة القصر الغامضة، اتصلت فورًا الإدارة بأهلها يُبلّغونهم وفاتها ويعزّونهم في فقيدتهم، لكنّهم رفضوا مجرّد الحضور بحجة أنّهم يخشون من الإصابة بكورونا،، فقررت الادارة- بعد الإتفاق مع ابنها البكر محمد- دفنها بطريقتها الخاصّة.
وبقي السؤال الذي يجهل معظمنا الإجابة عنه:هل ماتت العجوز (أم محمد) بسبب إصابتها بفيروس كرونا أم بسبب الاشتياق؟
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى