«عربة الصمت» نبش في تراكمات الوجع الإنساني
سرد قصصي للقاص إبراهيم سبتي من بقايا الركام المتناثر من حياتنا نتيجة الأزمات

- «عربة الصمت» نبش في تراكمات الوجع الإنساني - 16 مايو، 2021
صدر حديثًا عن دار النخبة للنشر والتوزيع، المجموعة القصصية «عربة الصمت»، للقاص إبراهيم سبتي 2020. ضم الغلاف 90 صفحة من القطع المتوسط، موشاة بـ 13 نصًا قصصيًا قصيرًا، وسطور عن الكاتب.
مجموعة سوداوية شيدها القاص إبراهيم سبتي من بقايا الركام المتناثر من حياتنا نتيجة الأزمات الموحلة بالموت والوجع والألم الشمولي الذي خلفته كائنات متنمرة خارجة عن المألوف الإنساني من الطيبة والمحبة والسلام؛ لتبث الرعب والموت وتسفك الدماء مما خلق عالم كئيب ومضطرب ومأزوم حوّل الإنسان لجثة هامدة أو خرقة بالية أو بقايا رماد في موقد الحياة.
مفردات الرعب في قصص إبراهيم سبتي
استخدم القاص مفردات بثت الرعب في نفوسنا لنكون جزءًا من الظلمات والجحيم الذي أحرق فيه شخوص قصصه، (زعيق، صراخ، عويل، أزيز رصاص، همس، صمت، ترقب، موت، دماء، بكاء، جنون، هلع، جحيم، حريق، أشرار، برد قارص، هذيان……).
وغابت نهائيًا مفردات الأمل والحب والسلام والسعادة والأمان .
أخذنا القاص سبتي برحلة مجهولة عبر محطات يكمن الحزن والموت والخوف والرعب والحرمان فيها بغزارة المفردات السود التي أمطرها عبر قصصه حتى تتسلل الكآبة إلى أعماق القارئ فيجد نفسه جزءًا من عالم مأزوم وخانق، فرصة لمعرفة ما يضمر القاص من مفاجآت الصراع عبر حبكات متعددة تأجج الصراع وتمنح الدهشة والإثارة لمواصلة القراءة حتى النهاية.
قصص يخيم عليها جوٌ واحدٌ تقريبًا ارتأى الكاتب أن يفرط بالصمت الذي عمّ المجموعة وهو صمت الخوف والحذر والرهبة والفزع والتربص المسكون بالموت والدماء.
انطلاق عربة الصمت
انطلقت المجموعة من المحطة الأولى بعربة قطار بطئ، فيه يتكلم الركاب همسًا بينما الضجيج والفوضى خارج العربة تصنعه الطبيعة المضطربة.
أما داخل العربة فإن الفوضى لركاب تقليديين من العوام ما عدا الركاب الأربعة؛ لقد تقوقعوا في شرنقة الصمت تتكلم حواسهم واصطادتهم عين الراوي بتربص ذئب صياد.
ويستمر الصمت مخيمًا بالرغم من إطلاق الرصاص الذي بدا منذ المحطة الأولى إن صحّ التعبير مخلفًا جثة هامدة ثم انجلاء عاصفة الغبار التي أثارتها خيول بدينة بعد إطلاق النار خلف جثة مضرجة بالدماء.
الموت يخيم على أجواء القصص في خضم الصراع الذي تعددت وسائله وأسبابه .
(الموت لعبة مسلية في الحرب)، (أدركنا أن الموت في الحرب لا أهمية له أحيانًا… سيضحكون علينا… عندما نقول بأننا بقينا على قيد الحياة….)، (مات الرجل شاغل الناس)، (الموت الملبد بشحنة موت مرير…)، (موت يحاول النيل من رجل باحث عن مستحيل…).
مرة يكون حاضرًا آنيًا أو يأتي من بعيد منداحًا من فوهات الذاكرة المعطوبة .
حتى البيوت في عربة الصمت إما متلاصقة تشي بالخوف والرعب (هاجعة كأنها نامت في قبور لا رجعة منها)، (هجعت البيوت تحت أغطية البؤس….).
حنين الطفولة في المجموعة القصصية
ولفت انتباهي في المجموعة حنين الطفولة بكل ما تكتنزه من معاناة وحرمان، ظهر جليًا متجسدًا عبر شخوص فاعلين في الصراع في قصص المجموعة (اعتن بأمك لا تفارقها وكن رجلًا يدير الدكان بحنك … يومها لم أعرف ما قصده أو أدراك كل ما قاله أبي….). (انسلت مني دمعة متذكرًا يومًا موجعًا من صباي…)، (ينظر الصبي الواقف في عز الظهيرة…)، (في صباي كنت وفيًا للمواعيد….)، (منذ صغري وأنا أتمنى أن أرى مسرحًا للدمى….)، ( صحت أنا الصبي المنقوع بحيرتي…).
في أجواء المجموعة
أما الطبيعية فلم تكن مستقرة أو مصدرًا للهدوء والسكينة بل مضطربة وعاصفة ومرعبة بسود غيومها وصخب عواصفها ناهيك عن الصباحات الباردة والمسكونة بالجثث والموت والأسئلة الملغزة عن فوضى الرصاص والصراخ والعويل بالليل، (السماء ملبدة بغيوم سود مخيفة…)، (…. جثة هامدة مرمية وسط مكب النفايات صباحا بعد طلوع الشمس)، (في ساعات الغروب كل الأبواب توصد والشوارع تخلو والمحال تقفل…)، (في الصباح يتجمع الناس ليروا ويسمعوا حكاية الخطير الذي لا يعرف الرحمة مع ضحاياه…)، ( كان كابوسًا في ليلة غريبة…)، ( في صباح بارد هجعت البيوت… في الصباح الندي الذي عزل الحياة عن الناس… راحت الريح تصفع وجهه… )، (الجو البارد المضبب يهز الرجال الذي ارتدوا ملابس جنائزية…. )، (أخذ المطر يهطل بغزارة صاحبته ريح عاصفة…).
القاص إبراهيم سبتي يملك لغة سحرية وشفافة ومكتنزة تفيض معان وإيحاءات لكي يشعر القارئ بأنه قريب جدًا من الحدث، ومرافقة البطل في ملازمة شديدة له تقترب حد المشاركة وجدانيًا باستحواذ كامل من قبل المؤلف على حواس وقلب القارئ.