إبداع

الغرابة والتشويق والإثارة في قصص «إبراهيم سبتي»

تناوله العديد من النقاد وأقيمت للمجموعات العديد من بحوث الماجستير والدكتوراه.

خالد مهدي الشمري

إبراهيم سبتي عُرف بكتابة القصة وصدر له العديد من المجموعات منها (الغياب العالي)، (ما قالته الضواري في حداد الأنس)، (نهار بعيد)، (الطريد) ومجموعة (وجوه في ذاكرة التعب) وأيضًا مجموعة (حيطان مسيلة للدموع)، (طائر قي غيبوبة).

تناوله العديد من النقاد وأقيمت للمجموعات العديد من بحوث الماجستير والدكتوراه.

نقف اليوم عند «بائع الضحك» والتي تناول فيها خمسين نصًا قصيرًا مع مقدمة لمقالين، تكلم فيها عن القصة القصيرة ومحنتها، كذلك تناول القصة القصيرة جدًا وتقرير المصير وهذه المقدمة نُشرت في الصحف.

«بائع الضحك» يفتتح بها المجموعة بعد المقدمة، وهي قصة تناول فيها شخصية غريبة جدًا، بائع الأكياس الفارغة ، من الغريب أنه يملؤها بما يريح الناس فقد حوت الضحك. والأجمل حينما يسأل المشتري إن كان يريد كيسًا من الحزن بسعر مناسب.

تناول القاص قصة قصيرة لكنها كبيرة في محتواها التي بيَّن فيها صور عديدة وإشارات مميزة لحالات قد تحتاج إلى العديد من الصفحات كي نقف عند معناها.

بدا من العنوان الذي اختاره «السبتي» والذي يتميز بالغرابة والتشويق والطُرفة وحب الاستكشاف الذي سوف يقع فيه المتلقي، وهنا يستخدم عامل الإثارة والتشويق مند البداية.

كذلك البناء اللغوي والصور التي ينتقل بها متسلسلة وفي حبكة بحيث لا تحيد عن مسار الفكرة لتصل الى التشويق، ناهيك عن التأويل لدى المتلقي.

«بائع الضحك» تستخدم التشويق والمفاجأة

ولا نستغرب من نهايتها التي أجاد القاص فيها استخدام عنصري التشويق والمفاجأة، وكذلك التأثير بمشاعر المتلقي بشكل كبير، حيث يرمي الأكياس في الهواء تحت المطر ويجمعها المارة وهم سعداء فرحين لتكون ضحكات هستيرية.

مما يميز «السبتي» في قصصه النهايات المفتوحة وجمال السرد والحبكة القصصية، فنجده يبدع في صنع جملة قصصية مميزة تشد القارئ وتثير الدهشة والاستغراب، بعد كل قصة تقف عاكفًا متأملًا وليس غريبًا أن تعيد النص أكثر من مرة.

ولِد «السبتي» بين الكتب ومن عائلة مثقفة تمتاز على الأغلب بالشعر، لذلك نجد لمسات السبتي الشعرية واضحة المعالم نلمسها بكل وضوح بين الأسطر، لم يتقيد بثيمة واحدة نجد المكان ونجد الشخوص وأحيانًا الزمن بين السياسة والحب والخرافة والحلم.

 سرد وجملة قصصية غاية بالروعة ونهاية مدهشة

وجاء في قصة «بائع الضحك»: على الرصيف، داخل مظلة الباص، في شارع مهم .. يجلس القرفصاء، هيئته توحي بأنه مهووس بالحركة وإطلاق الضحك حتى دون سبب.

لا أحد يفكر به من جلّاس المقهى فيما يندهش المارة من قدرته على الضحك المستمر.. أم كلثوم من داخل المقهى تطلق فات الميعاد بآهات غريبة محببة.. يبيع أكياس فارغة.. مملوء هو بنشوة سعادة غائبة، يسمع أم كلثوم بدموع تلتمع حباتها فوق خده المترهل.. يقبل أحد المارة عليه فيملأ له كيسًا من الضحكات والنكات ويسأله إن كان محتاجًا للبكاء، إنه بسعر بخس.. يبتسم الزبون ويمضي سعيدًا..

بائع الضحك، يجمع ما جناه ليشترى أكياسًا أخرى لليوم القادم.. ضحكات في كيس نايلون ربما تنعش مشتريها حين يحتاج ضحكة أو نشوة سعادة او ليذرف دمعة.

انتشر خبر أكياسه في السوق.. ضحكات تمكث داخل كيس شفاف لا يرى داخله شيئًا سوى ما يدخله البائع من ضحكات مدوية.. يهرولون إليه متمنين اقتناء واحدًا من أكياس الضحك.. في يوم ممطر، كان غائبًا عن رصيفه، لم يحضر يومها.. الراغبون برؤية بائع الضحك يقفون تحت مظلة الباص فيما المطر يهطل بغزارة، ينتظرون مقدمه..
ينظرون إلى المطر الهاطل.

لم يأتِ.. يتباطأ المطر، الرصيف صار مستنقعًا ولمحه أحدهم قادمًا يحمل أكياسه والوجوم يحتل وجهه المبلل.. جلس متثاقلًا في مكانه داخل المظلة واضعًا أكياسه أمامه. دنوا منه مثل كل مرة فوجيء بهم وهم يخرجون أكياسًا من جيوبهم، ينفخونها حتى تكاد تنفجر فيملؤونها ضحكات مدوية ويربطون أفواهها بإحكام بخيوط رفيعة طويلة وينهالون بها عليه تحت صراخه المتقطع..

نهض هاربًا ليدلف إلى المقهى المهتز تحت آهات أم كلثوم، فيواجهه الجالسون بضحكاتهم المخيفة فيسيح بخطواته نحو الشارع المبلل يعتصره ألم وخيبة.. يركض مبللًا برذاذ المطر راميًا أكياسه الفارغة في فضاء الشارع، موزعًا ابتساماته وضحكاته الهستيرية على المارة الذين راحوا يجمعون الأكياس المبللة بفرح غامر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى