غير المُعلَن في سفريات «عادل الهاشمي»
أدب الرحلات ينقل الجوانب الوجدانية والإنسانية التي لا قدرة للتكنولوجيا على نقلها

- غير المُعلَن في سفريات «عادل الهاشمي» - 13 مايو، 2020
يكتسب أدب الرحلات أهمية استثنائية منذ أن عرفه الإنسان كونه يمتد في قدم معرفته إلى فترات طويلة قد تتجاوز العشرات من القرون، وهذا ما ذكرة العديد من المهتمين في التاريخ.
فلهذا النوع من الآداب أهداف مثل ما لها من منافع رفدت المهتمين في الكثير من العلوم والمعارف بالمعلومات التي تكاد تكون موثوقيتها مطلقة لأنها اعتمدت على المشاهدات الحية والواقعية .
ورغم أن هذا كان يكتسب أهمية استثنائية في العصور الماضية بسبب قلة المعلومات ووسائل نقلها آنذاك لعدم توفر الوسائل التكنولوجية والعلمية التي نمتلكها اليوم والتي بكبسة زر واحدة تستطيع أن تتعرف على ما ترغب معرفته عن أي بقعة في هذه المعمورة.
ورغم كل هذا يبقى لهذا النوع من الأدب أهمية كبيرة وجديرة بأن يتم الاهتمام به ولكي نرد على المشككين في جدوى مثل هكذا آداب في حياتنا المعاصرة بسبب التقدم الهائل في علوم التكنولوجيا والاتصالات والمواصلات، فلا بد ان نُركز على الجوانب الوجدانية والإنسانية التي لا قدرة للتكنولوجيا على نقلها بالأمانة التي يرويها لنا المهتم بهذا النوع من الآداب .
عادل الهاشمي يبدع في أدب الرحلات
وأنا أقرأ في كتابي الأستاذ عادل الهاشمي، التي تصدى بهما لهذا النوع من الآداب رغم أن أهداف سفرياته لم تكن مخصصة للبحث في هذا الجانب وأن اختصاصه الدقيق لا ينسجم مع ما ذهب إليه، إلا أنه وبأمانة استطاع أن يُعزز ما أردنا الوصول إليه في أهمية مثل هكذا توثيق كي نجعل القارئ يعيش في الأجواء التي تملي فضوله.
فالمهتم بالجانب الرومانسي يجد في كتابي الباحث «مسافر إلى مدن فاتنة» و«مدن الثلج» ضالته وهو يتخيل المناظر الخلابة التي أبدع الكاتب في طريقة عرضها، معززًا إياها بوصف الشقراوات ذوات العيون الملونة التي تجعل من القارئ يغوص في أعماقها ويسرح بخياله بعيدًا وكأنه يعيش لحظاتها بواقعية.
أما المهتمين بالتذوق والباحثين عن أطباق المأكولات الغريبة فيجدون في طيات هذين البحثين الكثير من الأكلات التي يسيل لها اللعاب .. ناهيك عن المهتمين بجغرافيا العالم والباحثين في علم الآثار والجوانب التي تبحث في عادات الشعوب والأمم الأخرى .
الذي استنتجتهُ إضافة إلى ما ذُكر أعلاه بعد إكمال قراءة الكتابين، قد يكون كما كان يقول أجدادنا حينما يريدون أن يُلخصوا حالة معينة يقولون (زبدة القول) على الأقل ما فهمته أنا، وأعتذر للأخ الباحث إن لم يكن يقصد إلى ما اعتقدته ولكن الاختلاف في الرؤى لا يُفسد للود قضية.
صرخة للأمة العربية
استنتجت أن الأستاذ الهاشمي أرسل صرخةً واضحةً لنا كأمة يشعر بأنها تخلفت كثيرًا عن الركب العالمي بعد أن كانت تقوده في زمن مضى، ومفادها أننا أمة تحتاج إلى إعادة النظر بطريقة تفكيرها وإعادة حساباتها في كيفية فهم العالم المعاصر بعيدًا عن الانكفاء على ماضٍ رغم أهميته، إلا أنه اصبح ثقلًا يُثقِل كاهل حركتها نحو مستقبل واعد كما الأمم الأخرى التي كانت في يوم ما تعيش في دياجير الظلام والتخلف، إلا أنها انتفضت وغيّرت نمط تفكيرها فوصلت إلى ما وصلت إليه اليوم.
وها هو يضرب أمثال بسيطة هنا وهناك في طيات كتابيه لأفراد من أبناء جلدتنا عاشو هناك ونجحو نجاحًا باهرًا لأنهم غيروا طريقة تفكيرهم وزوايا نظرهم عن الأشياء التي تحيط بهم …
وأخيرًا إن هذا النوع من الأدب تأثيره كبير على إيصال الأفكار المتجددة معززة بتجارب الأمم الأخرى التي عرفت كيف تصنع المجد لأبنائها، وكيف تقبر الأفكار الهدامة والمتخلفة، وكيف توائم بين ماضيها التليد وتحافظ على تراثها ولا تلعن ولا تهدم ما بناه الأوائل بحجة الاختلاف معهم …
وهذه الرسالة التي اشتققتها من خلال قراءتي للكتابين المنوه عنهما أعلاه للأستاذ الهاشمي ….. الف تحية للكاتب من القلب ومزيدًا من الإبداع .
جولة مع المسافر
مقطع من كتاب «مسافر إلى مدن فاتنة»
خلال الزيارتين اللتين قمت بهما إلى باريس كنت أوفر لنفسي الوقت الكافي لأقضيه في شارع الشانزليزيه، أبدأ جولتي من قوس النصر حتى نهاية الشارع قرب ساحة الكونكورد (الثورة ) أسير على طوله الذي يمتد لكيلومترين …أتجول على أرصفته وأزور متاجره الفخمة ومحال الشوكلاته والحلويات المزدهرة به، أتناول وجبة سريعة أو كوبًا من الكابتشينو أو فنجان قهوة مع الحلوى الباريسيّة في مطاعمه ومقاهيه.
في الشانزليزيه ممكن أن ترى آخر صرعات الموضة في المتاجر والمحال الكبيرة أو في الشارع تستعرض بها الشقراوات الجميلات…. الناس من كل الألوان والبلدان ..محلات العطور الباريسية بكل أنواعها وماركاتها، البوس، الأرمني، الأزارو … لا أذكر أني عـبرت يومًا إلا ومررتُ علـى (السي فورا) بعطوره الشهيرة بماركاتها الأصلية إضافة إلى آخر ما توصلت له مختبرات باريس من مواد التجميل وأسرارها … حتى إذا ما وصلت إلى الثلث الأخير من الشارع تبدو الأشجار المضاءة بألوان الزينة مهيئة للاحتفالات، وكأنك تسير في شارع من الأحلام في عالم آخر من البهجة والجمال.