
- فلسطين مركز للصراع - 1 نوفمبر، 2023
دائرةٌ مقفلة من الحرب والقتل والتهجير، أحاطت بالعرب في فلسطين منذ دخلتها بريطانيا كقوةٍ استعمارية محتلّة في ديسمبر سنة 1917، في منطقة سادها الفقر والأمّية، واستقلالٌ اسمي للبعض، ونضالٌ من أجل التحرّر في أكثر من قطر.
جاء احتلال بريطانيا لفلسطين بعد شهر من وعد وزيرِ خارجيتها، آرثر بلفور، في 2 نوفمبر 1917، بإقامة وطن قومي ليهود العالم فيها. وفي سنة 1922 أصدرت عصبة الأمم قراراً بانتداب بريطانيا لإدارتها؛ أشار إلى وعد بلفور والروابط التاريخية لليهود بفلسطين، ونصّ على دورٍ لدولة الانتداب في تهيئة «ظروف سياسية وإدارية واقتصادية تشمل إقامة وطن قومي يهودي».
ثار الفلسطينيون وقامت الحرب سنة 1948 وانضمّت إليها ستّ دول عربية هي مصر والعراق وسورية ولبنان والسعودية والأردن، في مواجهة عصابات صهيونية تدعمها دولة الانتداب صاحبة الوعد، وصاحبة النفوذ على أطراف عربية. وما كان الأداء الهزيل لأطراف الحرب العرب ليحُول دون تمام النكبة بضياع الأرض وتشريد شعبها. انسحبت بريطانيا سنة 1948 وقد تحقـق وعدها بقيام دولة إسرائيل، وتوالت على العرب الهزائم واحتلال المزيد من الأرض والثورات والانقلابات منذ ذلك الحين.
تغيّرت المنطقة العربية برحيل الاستعمار بشكله المعهود، وحصول أقطارها على أنواع من الاستقلال، والتحسن الواسع في مستويات المعيشة، والثراء الفاحش للبعض، وانتشار التعليم النظامي المدرسي. وبقيت الدولة اليهودية العنصر الرئيسي المشكِّـل لحال أقطار المنطقة من تشتّت أو تضامن، ومن استقرار وانقلابات، ومن علاقات فيما بينها ومع العالم خارجها، ومن اقتصادات هزّتها الحروب.
ضعُف بعد هزيمة 1967 زخم المناداة بالوحدة العربية وتحرير فلسطين، وانفرط عِقد كل عمل عربي مشترك ولمّا تنتهِ حرب أكتوبر 1973. انقلب العمل من أجل التحرير إلى اعترافات عربية متتالية بدولة اليهود على أرض الفلسطينيين؛ بدأت باتفاقية كامب ديفيد سنة 1979 وتدحرجت وصولاً إلى اتفاقات أبراهام وتجارةٍ واستثمارات وسياحة.
بدا مستقبل المنطقة متجهاً إلى عصر جديد تكون فيه الدولة اليهوديّة في فلسطين مقبولةً كجزء طبيعي منها، بل كدولة تتملقها الحكومات العربية والساعون للحكم فيها، علّهم برضاها يحصلون على دعم الولايات المتحدة، السيد الجديد الذي حلّ محلّ السيد البريطاني القديم وقد هرِم.
لذلك تلقّى العرب والعالم باندهاش أخبار عملية يوم 7 أكتوبر لفصيل فلسطيني في غزة المحاصرة منذ ستة عشر عاماً، ومن سلاحه وتخطيطه، والخسائر الفادحة التي ألحقها بالعدو.
وكما هو متوقع، نرى غزة في مواجهة عدوانٍ انتقاميٍّ على يد آلة حرب تسلّحها وتدعمها القوة الأكبر في العالم، تطحن المنازل والمرافق والمستشفيات، وتقتل النساء والأطفال والشيوخ، وتهجّر الجميع. عدوان لا حدود لتوحّشه وتعطشه للدم يواجهه نفرٌ مؤمنون بحقهم في الحياة وفي أرضهم. أما العرب فواقفون متفرجين.
عبّر البعض عن شجبه وتنديده، والبعض عن أسفه لوقوع الضحايا «من الجانبين»، فالحرب تقودها القوة الكبرى في العالم، بل هي شريك أساسي فاعل فيها من دون تحفظ وبلا حدود؛ وكأن في ذلك عذراً للمتفرجين.
جاءت الولايات المتحدة إلى شواطئ فلسطين بحاملات طائراتها ومدمراتها، كما هي موجودة في قواعدها بالبلاد العربية بمقاتلاتها وصواريخها وجنودها، ولم يفت بريطانيا أن تظهر كشريك هي أيضاً. هذا الحشد العسكري العظيم أكبر مما يحتاجه ردع حزب لبناني مسلح أو دولة يملكون أدوات ردعها في الخليج بالقرب منها.
ليس خيالاً محضاً تصوُّر نكبةٍ عربية ثانية، تُحاك خيوطها هذه المرة في واشنطن وتل أبيب، وتمسك بزمام مسارها الولايات المتحدة الأميركية برئيسها الصهيوني بشهادته؛ وليس خيالاً محضاً أن تغرق المنطقة والمعتدون معها في حرب واسعة مدمّرة يصعب تصوّر كيف تكون نهايتها، مثلما يصعب تصور كيف ستكون نهاية الكيان الغاصب نفسه.