إبداع

قراءة في ديوان «السمراء ذات الخال بكامل أريجها»

الشاعر «عادل حمدي الشرقي» يخوض في مضمار القصيدة المركزة الشاملة

عماد الدعمي

مغامرٌ في فضاء الشعر والذات الشعرية لديه محلقة بعيدًا تعود علينا بالتجديد والابتكار، فصوره الشعرية يذوب فيها المتلقي لأنها ساخنة ممزوجة بالانزياح والسهولة ومكثفة برذاذ لغوي وتميل إلى الاختزال لكنها تلمع كالبرق.

عادل الشرقي يخوض في مضمار القصيدة المركزة الشاملة من حيث التشكيل والتعبير ولا تخلو قصائده من ضربات شعرية حادة وذلك يكشف عن قدرة هائلة على التكثيف والتطويع للأدوات الشعرية وتسخينها مع حرارة المفردة لحظة ولادتها .

تجده مشتغلًا في الوعي يخوض في ثنايا النص من دون تكلف ومن دون الالتفات إلى قوانين الشعر الصارمة وهذا يدل على حرفية عالية فهو يصوغ الجمال رغم القيود الصارمة ويدل على ملكة عالية امتلكها من خلال تجربته الشعرية التي ستصل إلى الخمسين عامًا.

قصيدة السمراء ذات الخال 

يستلهم الشرقي قصائده من الواقع والأحداث والمجريات وهو صادق التجربة يملك من الثبات والإيمان ما يجعله مؤمنا بقضيته مدافعا عنها، ويملك فضاءً شعريًا واسعًا يمزج من خلاله بين الأخيلة والواقع لينتج لنا قصيدة تحاكي الجميع.

قال في قصيدة السمراء ذات الخال

وتقاسمت حلمي نسائم روحها

واستوطنت بجمالها أعماقي

سمراء ظالمة بفتنة خالها

ومهولة اللفتات والإطراق

ما أن توارى الليل في آماقها

حتى ارتدت بمودةٍ آماقي

ألفيتها حلما ففاح أريجها

شعرا يطرز حرفه أوراقي

براعة الوصف

لاحظ براعة الوصف مع التأكيد على أن السمراء هي القوة الخارقة التي طرزت أوراقه وكانت الملهم للحرف وهي دلالة على ولوج الشاعر بعالم الحدث وذلك ولد صورة شعرية جميلة .

إن أهم ميزة في شعر الشرقي هي براعة الوصف والدقة في رسم لوحة فنية بالكلمات وكأنه فنان أو مهندس معماري ..

قال: في قصيدة أغاني الياسمين

ضحك الهوى في ثغرها وتبسما

وانثال من أهدابها مترنما

وتسربل التفاح من وجناتها

عسلا فأومض حولها وتكلما

وتسللت منها إلينا وردةٌ

فسرى وفاح بنا الأريج تنعما

قف قليلًا بتمعن ستجد الوصف والصورة الشعرية المرسوم ، فالهوى يضحك من الثغر حتى يصل به إلى الترنم ثم التفاح يتكلم عن شدة وصف الوجنات ثم تسلل الوردة منها لتفوح بأريجها ..

الفرق بين القصيدة قديمًا وحديثًا

إن القصيدة العربية الحديثة تختلف عن القصيدة القديمة فالشاعر قديمًا كان يقف على الطلل ثم يصف رحلته ثم الغرض المراد الوصول إليه، وقد امتد ذلك للعصر العباسي الذي ظهرت فيه الحداثة وتغيرت المضامين والأغراض الشعرية، وما يهمنا أن الشرقي التزم بالشعر الرصين محافظًا على قوانينه ومؤمنًا أنه هوية الشاعر الحقيقي ومؤكدًا على الحداثة في الألفاظ والتراكيب والمعاني وقد لا حظنا ذلك في شعره .

الشرقي عبارة عن كتلة من الوجع والألم والهم.. وقد صاغ شعره من معاناته ليظهر لنا الجمال بنوعيه الشكلي والمعنوي فهو روحٌ شاردة تطوف في عالم الوجع .

قال: في قصيدة الرحيل

على قبري وقفتُ أرشُ عطري

وأشعل شمعة بجوار قبري

أقول لكل من سيمر قربي

ألا فاقرأ هنا ما لست تدري

فإني من أحاطته الليالي

ومن ناح الأسى بفضاء صدري

يرثي نفسه وهو حيٌّ يرزق فلم يجد أمامه سوى الرثاء بعد ما أنهكه الوجع مسخرًا بحر الوافر في الرثاء وهو توظيف راقٍ لهذا البحر العذب.

قوة السبك ورقة اللفظ

اشتغل الشرقي في قصائده على قوة السبك والحياكة المتينة والسهولة مع رقة اللفظة وشكل الصورة الشعرية تشكيلًا معماريًا بهيًا من خلال تسخير مفردات الطبيعة والانزياح الدلالي، وقد ملك فضاء شعريًا واسع الأفق استطاع من خلاله خلق الإبداع محافظًا على المرتكزات الأساسية للقصيدة العربية، أما الجرس الموسيقي لديه واسع فقد غاص في بحور الشعر ووظفها وفقًا لأغراضها الشعرية في غزل ومديح ورثاء وبقية أغراض الشعر وكل هذه المقومات ساعدته من كتابة القصيدة من دون معرقلات تخص الشعر.

قال: في قصيدة أنا صولجان الشعر

أنا من حملتُ الشمس تحت ردائي

ونشرتُ فوق الأفق ضوء سنائي

تمتاح من شفتي قافية الهوى

شهدا وتحتفل الطيور بمائي

أنا صولجان الشعر بوحُ مسلتي

كتبٌ تضيء معالم الأرجاء

ها هو يحلق في لغة الأنا الشعرية ويتفاخر بذاته وتاريخه ومكانته وله كل الحق في أن يقف على منازل العلو والارتقاء والسمو فهو عراقيٌّ أصيلٌ انغمس بروحه ذلك الوطن الذي هجره يومًا ما قسرًا وأبعده عن الديار جسدًا لا روحًا.

ماذا تعني الحداثة الشعرية؟

وبما أن المعايير الشعرية ثابتة ومسنة ومشرعة فلا يمكن التلاعب فيها مطلقًا ولا يعني مفهوم الحداثة الشعرية أو النقدية هو التأثر بالحضارة الغربية وتقليدها، ولكن التطلع على التجارب الأخرى أمرٌ مهم جدًا والغاية منه زيادة سعة الثقافة والوعي، وهنا تكمن براعة الشاعر حيث أنك تلمس الحداثة في الأسلوب وفي الجوانب الفنية مما يتطابق مع العصر الذي نعيشه، فالشعر قضية ممزوجة بالواقع تحاكي الطبيعة المعاصرة التي يعيشها الشاعر مع مراعاة الأساسيات في الواقع وذلك يُبقي الشعر مواكبًا لكل الأزمان والحقب ومُستشهدًا فيه في كل العصور .

وبهذا تكون الحداثة سعيًا للتجديد والابتكار لأن الإبداع ابتكارٌ جديدٌ وليس جمودًا وتقليدًا، ومن خلال غوصي في ديوان الشاعر الشرقي ولمدة زادت على أربعة أِشهر وجدتُ الشرقي شاعرًا مبدعًا مجيدًا ثقيل الخطوات، كتب قصيدة العمود بحرفية عالية واستطاع الولوج في عالم الحداثة من خلال التجديد والابتكار وقد أنتج ذلك إبداعًا جليًا، لا تخلو قصائد الشرقي من الفلسفة التي تدعو للتأمل مع الرمزية في البعض من قصائده الدالة على منظومة إيحائية، وقد حافظ على الإبداع في قصائده لأن المحافظة على الإبداع أمرٌ ليس بالهين ولم يرهق المتلقي بنفس الوقت وتعددت أغراضه الشعرية فهو شاعرٌ مجيدٌ وقد ورد في ديوانه بعض قصائد التفعيلة .

كنت أتمنى أن يكون عنوان الديوان بمسمى أكثر شمولية من السمراء ذات الخال بكامل أريجها.

طبع ديوان شعره في دار العرب للدراسات والنشر والترجمة دمشق – سوريا ووقع في 382 صفحة من الحجم الكبير وورد فيه 183 قصيدة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى