
- «قرار أخرس» تلامس معاناة المرأة - 26 أبريل، 2023
«قرار أخرس» هي مجموعة قصصية لمؤلفتها الأديبة التونسية حبيبة محرزي، صدرت في طبعتها الأولى عن النخبة للطباعة والنشر والتوزيع، عام 1442 ه، الموافق لعام 2020 م.
وهي مجموعة قصصية تلامس معاناة المرأة خصوصًا، في خضم تطور الحياة المتسارع، مع تغير نمط وسبل العيش بالعديد من المجتمعات العربية عمومًا، وبالقطر التونسي خصوصًا، باعتباره بلد وموطن كاتبة المجموعة القصصية، التي رصدت وترصد هذه المعاناة بشكل متواصل، مع فجر استقلال هذه الشعوب إلى عصرنا الحالي، وهي قرارات «مجحفة» في حق المرأة، في ظل الجهل المتفشي، مع التمسك بقيم وأعراف لا صلة لها بالعقل والمنطق، باتت في حكم البائدة، بعد أن لم تسلم منها المرأة وهي الجدة والأم والطفلة، في خضم علاقات عمودية تتبادل التأثير والتأثر، عبر فضاءات مختلفة، سواء في المدينة أو البادية، في القرى والمداشر، في السهول والجبال، كحال المرأة التي أخذت أولادها من الوسط الطبيعي الذي نشأوا به، وقررت الرحيل من موطنها هربًا من مضايقات رجل أرادها عشيقة له، وهو عم أبنائها، لتعيش مغامرات قاسية في طريقها إلى العاصمة التونسية عبر رحلتها التي استمرت لأيام، عبر سهول وأراض صخرية، مرورًا بجبل الشعانبي، فكانت رحلة قاسية على امرأة لا ذنب لها «الخالة محبوبة» امرأة ذات عيال «زادها في رحلتها قربة ماء، وبعض كسرات خبز يابس تبلله بالماء»، تلهي بها بطون أطفالها الصغار كلما اشتد جوعهم.
هي مجموعة ورد عنوانها بصيغة المفرد، غير أنه يجوز لنا تحويله إلى صيغة الجمع؛ غير أنها قرارات ناطقة تعج بالمعاني، نسجت تلابيب خيوطها أستاذة مربية جايلت وعاصرت أجيال وأجيال، شاهدة على طموحاتهم وأمنياتهم، عاشت بدورها طموحات وانكسارات، وهي التي أحجمت عن الكتابة لسنوات، غير أن قلمها كان دائما يراودها عن الكتابة، فتمنعت غير ما ما مرة، إلى أن تطاوع القلم من جديد وبعد لأي، لتنساق مع الحرف، ترسم صورًا من هنا وهناك، ضمن قصص تتناثر حولها، بالرغم مما تحمله من حوادث مأساوية أحيانًا، لم تقو مؤلمة المجموعة على عدم الخوض فيها، وكان ذلك بعين المربية الوضعية التي تروم الاصلاح وفق رؤيتها وخبرتها التربوية، قصد لملمة التصدعات المجتمعية التي تكون حارقة، مصدرها وضحيتها الإنسان.
أما الجانب التقني للمجموعة القصصية «قرار أخرس» فيمكن ملامسته من خلال الإشارة إلى مجموعة من الجوانب من أهمها:
* اللغة؛ فهي سليمة وواضحة، تزاوج من خلالها المؤلفة مخاطبة العقل والوجدان، بألفاظ متنوعة، طبيعية: الشجرة، سهوب، أحراش، جبال، صناعية: سيارة، باب السيارة، سرعة، الطريق السريع…تتخللها إيحاءات أو تناص، يطبعه إيحاء ثقافي أحيانًا: «زين الشباب لم يمتع بالشباب، استحضار الشاعر أبو فراس الحمداني، ومرة أخرى تستحقر المؤلمة تناصًا دينيًا، بالإشارة إلى زوجة عزيز مصر بسورة يوسف..».
* الحوار: تفاعلي، واضح وشفاف.
* الشخصيات: تختلف وتتنوع حسب الوقائع والأحداث: المسؤول، العمدة، رجال الشرطة، القاضي، الأستاذ المحامي، المدير، الجميلة في العمل، الأب، الأم، الطفل الرضيع..
* الفضاءات: تتراوح بين المفتوحة والمغلقة، ففي الأولى: ساحة، شارع، حارة..، وفي الثانية: شقة، بيت، سرير، مكتب..
* الزمن: يتأرجح بين الماضي والمضارع؛ دنت مني تطلب السماح..، غضت على لسانها واستوت.. دخلت مطار الدوحة..،انتحيت ركنا.. أحملق..، يتدفق الأهل..أحمل ابنتي، ألقي بها..
* البرنامج السردي: السارد ملم بالأحداث، ينظر إليها بنظرة محايثة، «voix avec» يحرك الأحداث والشخصيات وفق رؤية مسطرة تأخذك إلى نهاية القصة وفق تلابيب خيوط نسجتها المؤلفة لخدمة موضوع القيمة المعلن من كل قصة ضمن المجموعة القصصية بامتياز واع، قصد إثارة الوعي والفكر، وبالتالي، فهي قرارات واعية ناطقة بالمعاني، تسائل الفرد والمجتمع، ضمن قالب أدبي فني، يعكس حياة الشعوب والمجتمع بامتياز.
المراجع المعتمدة:
1- الدرجة الصفر للكتابة، رولان بارت.
2- الكتابة وإنتاج الوعي، دراسة وتحليل في رواية لعبة النسيان، صدوق نور الدين.