
صدر حديثًا عن دارالنخبة للنشر والطباعة والتوزيع، كتاب «نظرية الفراكتال وتمثلاتها الجمالية المنفذة على الخزف الإسلامي»، للباحثة العراقية جنان علي محمد الحميري.
والفراكتال كنظرية جاء بها الفكر الاسلامي قبل الغرب وطبقها في مجال الفن وهندسة العمارة. فالفكر الإسلامي مبني على الكل، كل ما في الكون من الذرة إلى المجرة ترتبط بالقوة الإلهية المطلقة. لذا فقد مهد الفكر والفن العربي والإسلامي للنظرية قبل أكثر من ألف سنة ونجد تطبيقاتها في منجزه الفني على مر العصور.
يقدم هذا الكتاب للقارئ الكريم كشفًا علميًا عن نظرية الفراكتال في مجال فن الخزف الإسلامي، على أن هذه النظرية ومن خلال مضامين هذا الكتاب لم يتطرق إليها الكثير من الباحثين فقد وجدت الباحثة من الضرورة بمكان أن تضع هذا الكتاب من أجل إضافة ما هو جديد لفن الخزف الإسلامي وأساليب الزخرفة منذ أن عرف المسلمون فن الخزف حتى بلوغ ذروته في العصر العباسي.
مقدمة كتاب الفراكتال
تقول الباحثة في مقدمة الكتاب:
لجأ الإنسان للفن كحاجةٍ إنسانيةٍ منذ البواكير الأولى لاستيطانه الكهوف ومحاولته مجابهة الطبيعة محصناً نفسه منها، ومعرِّفاً بإثبات وجوده من خلال ما تركه من رسومٍ على جدران الكهوف، وكذلك صنع أدواته المعيشية من الحجر كخطوةٍ أولى في الاكتشاف وتأمين الحياة بعد مرحلة جمع القوت، لتتبلور من خلال ذلك بدايات المعرفة بالفن كغايةٍ وحاجةٍ تطلبتها ظروف حياته التي عرّفت بأسباب وجوده، فعلاقة الإنسان بواقعه إنما كانت مجسَّدةً بالفن، وكل مانجده من نتاجاتٍ كان تعبيراً عن فترةٍ زمنيةٍ محددةٍ عاشها ذلك الإنسان، وبتعبير (ماركس): «الفن عبارةٌ عن لحظةٍ إنسانيةٍ مرحليةٍ تاريخيةٍ وربما تصبح خالدةً ومستمرةً بنفسها ، فكل فنٍ يعبر عن عصره بتطلعاته وحاجاته الإنسانية ، ولذلك يعد الفن جزءاً من حضارة شعب ما ومعاناته»، واتجه الفنان المسلم «بنظرته الحدسية للكشف عن الجوهر الكوني المتصل الذي لا يقبل التجزئة، ولا التباين، وهذا الكشف يتم بتحوير الملامح الحسية الزائلة من شخص الإنسان الطبيعة على السواء، فلقد كانت الحدود الحسية تعيق الحدس عن إدراك غايته وهو الجوهر الحق» بل تصرفه عن التعلق بالمظاهر الواقعية، والمكانية فتجعل منه حسًا مرتبطًا بالغرائز والميول.
الهندسة الكسيرية
وتُعد الهندسة (الكسيرية) التي يطلق عليها هندسة الفراكتال من أحدث الأطروحات النظرية في عالم الرياضيات، التي ظهرت مع بدايات عام 1980م، حيث صاغ عالم الرياضيات الأمريكي (ماندلبروت) مصطلح الهندسة (الكسيرية) للدلالة على البنيات ذات خاصية (التشابه الذاتي) التي لا تمتلك بعدًا محددًا، وقد أطلق عليها أيضًا هندسة (فراكتال) وذلك للدلالة على ما اتسمت به هذه الأشكال من مظهر غير منتظم يجعلها تبدو أمام من يراها كأنها شظايا مبعثرة وهي الشكل المنظم للظواهر الفوضوية.
وكلمة (فراكتال) مشتقة من الصيغة اللاتينية التي تعنى (كسر) أو جزء غير نظامي، التي تصف بدورها الأشكال غير المنتظمة، وعلى الرغم من أن هذه الأشكال لا تملك بعدًأ محددًا فإنها تتميز بخصائص خاصة تميزها عن غيرها من الأشكال.
وإن الأشكال الهندسية التقليدية تختلف عن أشكال (الفراكتال)؛ فالهندسة التقليدية قائمة على دراسة الأشكال (المنتظمة) كالمثلث والمربع والدائرة والمخروط والكرة، أما هندسة (الفراكتال) فتعنى بدراسة الأشكال (غير المنتظمة) التي لا تمثلها الأبعاد التقليدية المعروفة، وعليه تم وضع تعريف هندسة (الفركتال) بأنها دراسة الأشكال الرياضية التي تعرض متتالية اللانهائية والتشابه الذاتي والتفاصيل المتعرجة كما لو كان الشخص يلاحظهم عن قرب، حيث إن التعقيد هو أحد أهم مميزات أشكال الفراكتال.