إبداع

كنز البسطاء

كتاب عمره قرن وربع القرن من الزمان

يوسف القعيد
Latest posts by يوسف القعيد (see all)

تحت هذا العنوان كتب يوسف القعيد مقاله المنشور في جريدة الأهرام يتناول فيه عرض كتاب «كنز البسطاء»

وجاء في المقال:

هذا كتاب صادر 1896، عمره قرن وربع القرن من الزمان. ومؤلفه: موريس مترلنك ، مولود في مدينة جاند في بلجيكا 1862، ومات 1949 بفرنسا. وعلاوة على أسلوبه الفذ والجميل وغير العادي، فقد حصل على جائزة نوبل في الآداب 1911، وهي السنة التي ولد فيها نجيب محفوظ، أديبنا النابغة، الحاصل على نوبل الأدبية 1988.

أما مترلنك، فقد قيل في أسباب حصوله على نوبل إنه يجمع في كتاباته بين الرمزية والفلسفة والتصوف. ترجم كتابه للعربية الدكتور: أحمد عبد المجيد عفيفي، وراجعته الدكتورة: شيرين عبد الحميد علي أحمد، وهما من أساتذة اللغة الفرنسية في الجامعات المصرية.

صدرت ترجمته للعربية قبل عشر سنوات. إن أردت مشاركتي متعة تذوقه وبهجة اكتشاف ثرائه، وعذوبة لحظات قراءته لكن أكثر دقة وأقول قراءاته. فلا بد من قراءته أكثر من مرة. لا مفر من أن تقرؤه على مراحل. وبين كل مرحلة وأخرى مسافة زمنية تمكنك من استعادة البهجة التي تولدها القراءة. إنها البهجة التي توشك أن تختفي من حياتنا. تولدها لك المتعة التي تجعلك وأنت تقرأه تفكر في القراءة التالية: كيف؟ ومتى؟ وأين تكون؟

خلال القراءة بحثت طويلًا عن وصف أقدم به الكتاب لأدفع القارئ للبحث عنه وقراءته. حلمي الوحيد أن يطرح المركز القومي للترجمة نسخه الباقية في المخازن إن كانت ما زالت هناك نسخ منه.

مترلنك كتب نص مفتوح على كل شيء

أما إن نفد سأحلم بحتمية إعادة طباعته. فالكتاب جميل. ومصدر جماله أن نصه مفتوح على كل شيء ونقيضه عندما يتحدث عن الحرية الإنسانية فإن خبر جملته يكون عن القدر. ويحاول أن يزاول بينهما بطريقة لا تملك إلا أن تحبها. ما أندر الكتب التي تعيد للعين متعة القراءة. التي توشك أن تتلاشى. أو أن نفتقدها في كثير مما تفرض علينا الظروف قراءته الآن. وجماله وعذوبته وصلتني رغم أنني لم أكن أقرأ الكتاب في لغته الأصلية. بل كنت أقرأ ترجمة عن الفرنسية. وقديمًا قالوا إن الترجمة ربما كانت خيانة للنص. وهم مخطئون. جانبهم الصواب عندما قالوا هذا.

أكد لي هذا الكتاب أن الترجمة البديعة يمكن أن تكون كتابة على كتابة. أي إعادة صياغة للنص الأصلي بلغة أخرى. البداية بالصمت. بعبارة كارلايل: ربما يتعين علينا أن نقيم للصمت والكتمان أماكن مقدسة. وبعد هذه العبارة يخاطب المؤلف القارئ: وأن تحاول أن تمسك لسانك لمدة يوم عندما تشعر بالحيرة. وفي اليوم التالي سترى كيف صارت أهدافك وواجباتك أكثر وضوحًا.

ويشرح السبب: أليست الكلمة هي فن إخفاء الفكرة كما تقول اللغة الفرنسية؟ بل إنها قد تكون فن إخماد الفكرة. بحيث لا يظهر منها شيء. ورغم أن كلمة عظيمة هي الأخرى كأنها لا تصف معظم الأشياء. فإن الكلام هو الصمت. وفي هذه الحالة لا بد إن نقول أن الصمت هو الخلود. وإذا كان النمل لا يعمل إلا في الظلام. فإن الفكر لا يعمل إلا في الصمت. وتعمل الفضيلة في الخفاء. ويُفَرق المؤلف بين الصمت السلبي والصمت الإيجابي. والصمت السلبي ليس النوم أو الموت. ربما عدم الوجود. أما الصمت الإيجابي فيمكن أن يذهب الإنسان عبره إلى ما لا يمكن أن يمسك به للكلام حتى وإن تكلم بأعلى الأصوات الممكنة.

ما يفصل بين النثر والشعر

 

في لغتنا العربية نكتشف أن ما يفصل بين النثر والشعر الوزن والقافية. خصوصًا في الشعر القديم. ولكني قرأت في ترجمة هذا الكتاب كثيرًا من الشعر النثري. إن جاز لي أن أكتب هذا. ودليلي على شعرية الكتابة ما تركته في نفسي من آثار تصل لحدود العشق.

يكتب الكاتب: عندما تنام الشفاه تستيقظ الأرواح وتبدأ في العمل. لأن الصمت هو العنصر الملئ بالمفاجآت التي تولد لنا السعادة التي تمتلك فيها الأرواح بحرية. ويعترف المؤلف ان أحدهم كتب له: إننا لا نزال نعرف بعضنا بعضا. ولا نتجرأ على أن نصمت معًا. فالصمت مسألة فردية. كل إنسان يمارسها بطريقته الخاصة وبعيدًا عن الآخرين. بل من المستحيل مشاركة أحد لأحد في صمته.

والصمت أنواع. يختلف حسب أول لحظة صمت بين روحين. ولهذا فإن الصمت غير المتوقع يصبح مثل سواء شديد المرارة أو شديد الحلاوة. وهنا كان لا بد من كلام عن الحب والصمت: أليس الصمت هو الذي يُعرِّف ويُحدِّد طعم الحب؟ ولو حُرِم الحب من الصمت فلا يكون له طعم ولا رائحة مطلقا. من منا لا يعرف الدقائق الصامتة التي قد تفصل بين الناس لتجمع النفوس؟.

الصمت في حياتنا

وللصمت في حياتنا مزايا كثيرة. فنحن ننظر إلى الصمت على أنه عميق. أما كثير الكلام فنقول عنه ثرثار. بل ربما نطلب من بعض الناس عدم الاستماع إليه أو الاهتمام بما يقول. مع أنني سمعت في قريتي أن الثرثار ربما كان طيب القلب. وأن الإنسان الصامت يكون لديه ما يريد إخفاءه عمن يتكلم معه، هذا إن تكلم. كلنا نقول إذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب. ولن أحاول معرفة من قائل العبارة التي صارت مثلا يستخدمه الناس بمناسبة ودون مناسبة. ولكن الكتاب أكد لي أن العبارة مأخوذة من نقش سويسري قديم. ويلحقه الكاتب بقوله قد تزيد النفوس من بهاء أصحابها بالصمت. مثلما يوزن الذهب والفضة بعد غمرهما في الماء النقي. ولا تكتسب الكلمات التي ننطق بها معناها إلا بفضل الصمت الذي تنغمس فيه.

هذه عناوين الفصول: الصمت، يقظة الروح، أصحاب البصيرة، علم الأخلاق الصوفي، عن النساء، روسبروك العجيب، إيمرسون، نوفاليس، المأساة اليومية، النجم، الطيبة الخفية، الحياة العميقة، الجمال الداخلي. ما أوسع التجربة الإنسانية مخترقة الأزمنة. وما أقدرها على الوجود في أزمنة وأمكنة. آخر ما في الكتاب: إذا تعرفت في ذاتك على الجمال، فارفع نفسك لتذكر الجمال العقلاني. كتاب لا بد من قراءته. يؤكد أن لكل إنسان جماله الخاص.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى