إبداع

لغز القبور المبعثرة في «أشباح المنامة»

قصص «أسامة إبراهيم» تزخر بالأساطير الغريبة والمُحيّرة

خالد مهدي الشمري

السرد على أنواع، وكثيرًا ما يعتمد القاص على المتن السردي المفعم باللغة، ويميل أحيانًا إلى إضافة حكاية غريبة أو تحوي الإدهاش لبث الروح في القصة وليبتعد عن تحول السرد إلى الحكي.

يعتمد القاص «أسامة إبراهيم» على البحث عن الجديد والغريب، وقد نجح في إثارة القارئ  عبْر وضع القصة ذات اللغز أو الأحجية في قصة «أشباح المنامة»، نجد العنوان غرائبي يذهب بالمخيلة إلى مناطق كثيرة، ومنها الأشباح والخوف.

في قصتنا نجد القاص يذهب بنا إلى الموروثات الشعبية حيث كانت القرية تجتمع إلى شخص، وهذا الشخص قد يكون الحكاواتي أو رجل كبير السن، وأحيانًا الجدة أو الجد ليقص على المجتمعين قصص منها خرافية ومنها واقعية، لكن القاص أسامة إبراهيم في قصته يختار القصة اللغز والتي تجعل الجالسين من الشباب يخمنون النهاية، وكثيرًا ما تُقام هذه الجلسات في الليل كما يسرد القاص أنها في ليلة ليس فيها قمر، أي شديدة الظلمة.

 

«أشباح المنامة» تفاعل ببين الحدث والمكان والزمان

 

نجد تفاعل كبير بين الحدث والمكان والزمان.. الحدث وهو القصة الأسطورية وأحيانًا مخيفة مع الوقت مساءً والمكان الذي تحيط به الظلمة، وبذلك صنع القاص جدلية توظيفية.

 كذلك تعدد صنع المفارقة .. واستنتاج بأن البطل متفرد مائز بين أقرانه فلم ينم الليل يفكر بالأحجية والحل وفك رموز القصة التي بطلها (مراد) وما هو السر في بعثرة رفاة الموتى داخل القبر.

استخدم القاص الروي عبر البطل في القصة الذي ذهب إلى التفكير في حل طلاسم القصة أو الحكاية  التي سمعها من الحاج (حلفاوي)  في امسية قص فيها لهم حكاية المنامة المبعثرة . 

 

المفارقة في «أشباح المنامة»

 

يعي القاص أن المفارقة تمثل العمود الفقري للقصة، ويعلم أن الكثير ممن يتوهمون سهولة كتابة هذا الجنس الأدبي أنه مجرد صنع المفارقة بشكلها الثابت والمتعارف عليه عبر الإتيان بالثنائية الضدية، هو ما يصنع لهم أسماء أدبية حيث أسس مفارقة النص الظاهري على اختلاف التأويل بين الشباب في إيجاد تفسير أو وضع نهاية؛ لذلك وضع حس استثارة المتلقي .

القصة عن شخص اسمه (مراد) شديد البطش وابنته (عوالي) التي تعترض على تصرفات والدها؛ وهنا المفارقة بين النقيضين الأب والابنة .

 أحداث هذه القصة في مقبرة في صعيد مصر تسمى المنامة.

وجاء في النص:

«ذلك الرجل اسمه (مراد)، إلا أنه اشتهر بلقب (مارد) لشدة بطشه وجبروته، وله ابنة تسمى (عوالي)، لا تعجبها تصرفات والدها وتعترض عليها أمام الجميع رغم كثرة تهديداته ووعيده لها».

وبعد موت مراد دُفن مع زوجته ووالديه؛ وهنا يضع القاص موت مراد بين الشك والريبة حينما قال في ظروف غامضة يضع تساؤل أمام القارئ «لم يكن موته عاديًا وإنما قُتل بسبب شدته وظلمه» كما في النص:

«وقد بررت العائلة العجلة في الدفن بمقولة (إكرام  الميت دفنه)، وهو ما لقي قبولًا و ترحيبًا من الجميع، متهامسين فيما بينهم بأن (موت الظالم رحمة)».

بعد مدة تموت ابنته وهي شابة في ريعان شبابها؛ وعندما فتحوا القبر وجدوا الجثث مبعثرة وجثة مراد منكفأة على وجهها ومزحزحة بعيدًا.

 

وضع الخيوط في القصة 

 

وهنا تُثار الأسئلة وتنطلق الظنون ويوضع حرس على المقبرة من العابثين لكن الأقاويل تنتقل بين الناس بسرعة.

لم يترك القاص المتلقي ينتقل وحيدًا بين السرد والحكاية؛ فقد كانت للقاص لمسات واضحة في تعميق الفهم وتصويب اتجاه البحث صوب جزء معين ووضع الشكوك والظنون المسبقة للمتلقي، وضعها القاص يقصد كخيوط يتابعها القارئ بين الحكاية والسرد وعلامات الاستفهام الكثيرة مما يجعلك تتابع الحدث والبحث عن نتائج وهذا هو مكمن نجاح القاص بصناعة الإدهاش والترقب وصنع المفارقة.

بعد ثلاثة سنوات يعود الناس لفتح المنامة لدفن شخص آخر من العائلة إلا أنهم وجدوا  الجثث مبعثرة جميعها ما عدا جثة الفتاة (عوالي) .

رغم الحراسة واعتقادهم بأن يدًا خارجية طالت المقبرة لكن لِما لم تتأثر جثة عوالي من دون الجثث الأخرى؟! وهنا تتحول الظنون إلى اعتقادات بأن سحرًا أو شعوذة لها دخل في الموضوع؛ ليستمر قاصنا أسامة إبراهيم بزج المفارقات والتشويق بمسار واحد.

وبعد فترة يموت شخصًا آخر لكن هذه المرة لم يستطيعوا فتح المقبرة، وبعد محاولات تم فتحها ليجدوا الاتربة تغطي المكان والجثث مبعثرة أكثر من المرة السابقة إلا جثة عوالي .

«لم تجد العائلة من حل سوى بناء مقبرة جديدة ونقل جميع الجثث إليها لتجنب المزيد من الفضائح».

 

«أسامة إبراهيم» يضع لمساته لتحفيز عقل المتلقي

 

في هذا النص يختصر القاص أمور كثيرة ويجعل الحل في نقل الجثامين إلى مقبرة أخرى، وكما ذكر في النص: «لتجنب المزيد من الفضائح»، وداخل النص ينهي قصته تحت تساؤل الجميع، ما الذي حصل هناك؟ وأي تفسير يمكن أن يفسر؟، وبين حيرة القارئ، وضع القاص لمساته كسكة قطار يتابعها المتلقي عبر بث بعض الاعتقادات مثل الهزة الأرضية والتي لم تقنع الجميع ولا حتى المتلقي؛ لذلك تم تحفيز العقل والبحث عن النهاية وكذلك التفسير المنطقي للحدث ولكل متلقي أكيد هناك تصور خاص .

«بعض المؤمنين بما وراء الطبيعة قال إن السبب هو أرواح هائمة لموتى تعرضوا لظلم سابق من (مارد)، فقاموا من مرقدهم وفعلوا هذه الأفعال الانتقامية، وقال آخرون إنه بفعل السحر الأسود، لكن هذا التفسير أيضًا لا يوجد أي دليل عقلاني عليه».

في هذا النص وهو الخاتمة التي جعل فيها النقاط على الحروف، وأيضا جعل القاص النهاية مفتوحة، وكلنا يعلم بأن النهايات المفتوحة دائمًا أجمل في القصص.

حكاية وسط حكاية بيَّن فيها القاص مفارقة بين الخير والشر، وخصوصًا ما بعد الموت، يقدم أسامة إبراهيم الحِكم والمواعظ على طبق من ذهب بين جمال القصة وإجمالية السرد والحكاية.

 هناك فائدة دائمًا وأنا والكثير من الأدباء نعتقد بالقول السائد «إن لم أخرج من القصة بفائدة أو أثر.. لا تُعد قصة ولا يُعد القاص قاصًا لأنه لن يخلف أثرًا في المجتمع ولا يكون أديبًا منتجًا» وهو ما نطمح للوصول إليه في أعمالنا الأدبية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى