إبداع

لن أكون معك

عندما تسرق مشاغل الحياة أسمى المشاعر الإنسانية

أسامة إبراهيم
Latest posts by أسامة إبراهيم (see all)

إذا كنت تعرف (عماد) عن قرب، فسوف تندهش عندما تعرف أنه قرر الخروج مع امرأة أخرى غير زوجته لقضاء سهرة خاصة…

لكن المدهش أكثر أن تلك السهرة جرى ترتيبها بإلحاح من زوجته نفسها، حينما قالت له:
– أعرف أن هناك امرأة تستحق حبك أكثر مني…

أما المرأة التي أصرت زوجته على أن يخرج عماد معها فكانت (أمه) التي ترملت وهي في ريعان شبابها منذ ربع قرن تقريبًا، لكن مشاغل الحياة اليومية ومسؤوليات البيت والأولاد جعلته لا يراها إلا في المناسبات.

اتصل بوالدته ووجه إليها عزومة العشاء فردت باستغراب:
– خير يا ابني حصل إيه؟
أجابها: نعم أنا كويس يا أمي، وأحب أن أقضي وقتًا ممتعًا معك.
– ردت على الفور: ده شيء يسعدني يا ابني.

في عطلة نهاية الأسبوع وبعد أن فرغ من عمله، مرَّ على الشقة التي تقطن بها والدته في التجمع الخامس، فوجدها تنتظر بشوق عند الباب مرتدية فستان سهرة جميل، واستقبلته بابتسامة مشرقة وقالت له:
– أخبرت صديقاتي أنني سأخرج الليلة معك، وكلهن فرِحنَ وتمنَّين لنا سهرة سعيدة.

المشاعر الإنسانية تضيع في مشاغل الحياة 

ذهبا معًا إلى مطعم جميل وهادئ، وعندما دخلا كانت تمسك بذراعه كأنها ملكة متوجة. وجلسا سويًا بالقرب من شرفة تطل على حديقة جميلة، وبدأ يقرأ قائمة الطعام لأن أمه لا تستطيع قراءة الحروف الصغيرة… فنظرت إليه بابتسامة مشرقة وسألته:
– هل تتذكر يا عماد لما كنت أقرأ لك وأنت صغير؟..
أجابها مبتسمًا:
– حان وقت تسديد جزء من ديني لك يا ماما.

وفي أثناء تناول العشاء تكلما في كل شيء، طفولته وشبابه ووفاة والده وما جرى بعد ذلك من أحداث كثيرة، واستمرا في الكلام والضحك إلى وقت متأخر من الليل، وعندما رجعا ووصلا إلى باب بيتها قالت له:
– العزومة الجاية على حسابي ودفعتها مسبقًا للمطعم. فقبَّل يديها وحضنها وودعها بحرارة.

بعد أيام قليلة من السهرة تعرضت الأم لنوبة قلبية حادة وهي وحيدة في شقتها انتقلت على إثرها إلى مثواها الأخير، ولم يكتشف الجيران وفاتها إلا بعد عدة أيام.

وفي أثناء تلقي عماد واجب العزاء، جاءه اتصال من المطعم الذي تعشيا به مع رسالة بخط يدها:
«ابني الحبيب، أرجوك لا تحزن، لأني لن أكون موجودة معك في هذه العزومة… دفعت فاتورة لشخصين فقط، أنت وزوجتك… وداعًا يا بني».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى