
- أبو المساكين - 24 ديسمبر، 2022
- ماري… جميلة من «خواجات اسكندرية» - 20 يونيو، 2022
- غالية يا مصر - 23 يناير، 2021
كانت مادلين ونيللي زميلتين في مدرسة الراهبات بالإسكندرية.. نيللي فتاة جميلة ويغلب عليها الطابع الشرقي.
وكانت مادلين ذات جمال أخاذ، شقراء ذات بشرة وردية، أما عيناها فحدث ولا حرج، فهما أجمل عينين رأيتهما في حياتي، فلونهما يميل إلى اللون البنفسجي، وكان شعرها ينساب في رقة حول وجهها الجميل.
حين تمشي تتزاحم حولها النظرات..
يا الله ما هذا الجمال؟!
أرمنية لكنها كانت مصرية، ولدت وعاشت في الإسكندرية، رقيقة خجولة محترمة الحب يحبها، بل يتنافس على صداقتها، لكنها لم تصادق إلا نيللي.
أما الآخرون فكانوا بالنسبة لها مجرد معارف.
كانت نيللي ومادو- كما كانت تناديها، تذهبان سويًا إلى مدرستهما، وعمرهما لم يتجاوز الخامسة عشرة.
وكانت الإسكندرية ممتلئة بالأجانب من جميع الجنسيات،… يونانيون وإيطاليون وأرمن، وكان لها صديق في نفس عمرها إيطالي الجنسية، ولد أيضًا في الإسكندرية، وكان يدعى كلاديو.
وقع الفتى في غرام مادو، وبادلته نفس الشعور بل أقوى، وكانا يتنزهان معًا وبصحبتهما نيللي، يرسل لها كلاديو خطابات غرامية وهي سعيدة بحبه سعادة كبيرة.
وفي يوم لم تشرق فيه الشمس رآها أبوها وكلاديو يمسك بيديها وهما يتنزهان…
وكانت مصيبة، فالأرمن يشبهون الصعايدة كثيرًا، ويتمسكون بالعادات والتقاليد.
أخذها أبوها إلى البيت، وعنفها وهددها بأنها إذا استمرت في هذا الحب لن تذهب إلى مدرستها بل ستجلس مع أمها في البيت.
وبكت مادو، ولكن كلاديو كان يرسل لها من الحين للحين بدواء، وهي الرسائل التي تقربهما رغم البعد.
وظن كلاديو أنه يستطيع زيارة أبيها كي يشرح له الموضوع، ولكن الأب تهكم:
- ماذا يريد؟.. إنهما صغار على هذه الأشياء.
ورفض رفضًا باتًا التحدث معه، وظلت نيللي ومادو صديقتين عزيزتين، تكبران معًا، بل توزعان حزنهما وفرحتهما بينهما بالتساوي.
وجاءت هوجة الهجرة، وفكر الكثير من الأجانب في ترك الإسكندرية، وهي مسقط رأسهم وحبهم الكبير.
وجرت مادو نحو صديقتها والدموع في عينيها:
- سأهاجر إلى كندا مع عائلتي، ولن أراكي بعد اليوم يا حبيبتي.
- كيف هذا؟.. لا مستحيل أن أعيش بدونك. متى سترحلون؟
- الشهر القادم.
- بهذه السرعة… هذا ظلم، ظلم. وكلاديو ماذا سيفعل؟
- سيهاجر هو أيضًا إلى وطنه إيطاليا ليلتحق بكلية الهندسة… لا أمل في اللقاء، لقد انتهت قصتنا.
ذهبت نيللي إلى بيتها وهي لا تكف عن البكاء، ورآها والدها الحنون وأخذها في حضنه.
- لا تبكي يا حبيبتي، سوف تتعرفين على أصدقاء جدد. وسوف تكتب لك، إن المحبة ستبقى رغم البعاد.
واستسلمت نيللي للواقع المرير، وجاء يوم السفر، كان يومًا ثقيلًا، بكاء وعويل وأحضان في المطار.
وجاءت أول رسالة من الصديقة المخلصة بروح عينيها البنفسجيتين الجميلتين. ووصفت مادو كيف تعيش غربة لا توصف.
ومرت الأيام والشهور والسنين، وكتبت مادو لحبيبتها التي لا تنساها: «لقد تزوجت من صيدلي اسمه استانلي، هذه صورة المنزل، انظري، هذا هو المطبخ باللون الأحمر».
- الحمد لله يا مادو، إنني سعيدة الآن!. أنا تزوجت وأنجبت ولدين اثنين.
وفي يوم جميل من أيام صفو الزمان، جاءت مادو إلى الإسكندرية مسقط رأسها، مات الأهل، أما هي فكانت حزينة، فقد طلقت من زوجها ولم ترزق بأولاد، ولكنها كانت تعمل وتعمل حتى لا تشعر بالوحدة.
وبكت الصديقتان معًا، فراق الأهل وموت الأحباب. وحاولت نيللي أن تخرج مادو من هذا الجو، فذهبا إلى الأماكن التي كانا يحبانها، وجاء وقت الرحيل وتمنت نيلي لمادو كل السعادة…
- لا تحزني يا حبيبتي، إن الله على كل شيء قدير، إنه قادر قدير مقتدر، سيغير حياتك ويرسل لك من تحبينه وتثقي به.
وسافرت مادو وظلت تراسلها عبر الفيس بوك، وكتبت مادو إلى نيللي:
- نيللي حبيبتي، هل تذكرين كلاديو؟
- نعم، نعم، طبعًا أذكره.
- تصوري، لقد وجدته عن طريق الفيس بوك.
- يا إلهي، كيف حدث ذلك؟
- إنه القدر، ألم تقولي لي: إن الله على كل شيء قدير؟.. لقد دعاني لزيارة إيطاليا، وقد وافقت، آه كم أشتاق إليه، إنه مطلق مثلي وليس لديه أولاد، تصوري!.. يا لمفارقات القدر.
- مادو… عندما تعودين اكتبي لي كل شيء عن هذه الزيارة، إنني جد سعيدة من أجلك، أيعقل هذا؟..
إنها المعجزات.
من قال إن زمن المعجزات انتهى؟..
إنك موجود يا ربي في كل زمان وفي كل مكان.
ستطيب القلوب التي طالما باتت جريحة.
وبعد أيام كتبت مادو إلى رفيقة الصبا:
- أخيرًا التقينا، يا له من لقاء رائع، سأعود إلى كندا كي أحزم حقائبي وأعود إليه.
إنه حبيبي الذي لم أحب سواه، سنتزوج، نعم سنتنزوج، إنه مشغول بالفيزا كي أسافر إليه.
شكرًا حبيبتي نيللي،
أه نسيت أن أقول لكِ إنه يرسل لك أجمل تحية.
«خواجات اسكندرية» دار النخبة