إبداع

ما وراء الأبواب!

كائنات وأشياء وهواجس ومشاعر مختلفة وتوقّعات وأجواء خاصة

أحمد حسين
Latest posts by أحمد حسين (see all)

خطواته ترن علي سلالم البيت بإيقاع واحد وصوت يتردد في هدوء الليل..

… تك…. ثم تمر برهة…. ثم تك…

تلك مسافة بقدر رفع رجله على سلمة البيت… وهو يصعد سلمة سلمة…

 عادة يمارس تلك الخطوات في تؤدة وصمت..

لا يخترقه إلا صوت أنفاسه الهادئة… وفكره الخالي الصافي من الإزعاج….

خطوات يصعدها الدرج وهو حافظها صمًا…

ثم قبل أن يصل إلى باب شقتنا وقبل يلمس جرس الباب لمسًا؛ تسترق آذاننا صوت أنفاسه ونحنحته وننتبه إلى صدى صوت الخطوات ونحس بهذا الوقع السيمفوني فتنتفص أختي قائلة… بابا جه…. بابا جه…. فتهرع أمي جريًا إلى المطبخ..

ويعتدل البيت… ثم نسمع خبطًا خفيفًا على الباب بأصابعه الثلاثة الوسطى..

هكذا كان يفعل أبي عندما يعود إلى البيت…

حاولت مرة أن أفهم خبطات أبي الرقيقة أو رنته الخافتة على جرس الباب؛ فلم أفهم إلا عندما كبرت وأجدني أخذت وداعة الخبط على الأبواب، من نصيبي من ورث أبي..

كنا قبل أن نسكن تلك الشقة نسكن في البيت الذي كان قديمًا دورين فقط  في الدور الأرضي..

كان بابنا على الشارع مباشرة في زقاق سد بباب خشبي عملاق له قبضة حديدية على شكل كف اليد، كان يطرقها أبي عند عودته ليلًا يكاد يلمسها لمسًا خفيفًا.

بينما أخي إذا جاء يطرق بالمقبض طرقًا أكثر..

أختي الكبرى لها نقرتين متقاربتين خفيفتين فقط…

أخي الصغير يمسح الباب مسحًا يكاد ينتظر على الباب حتى يفتح أحدنا ويستطيع مع ذلك صبرًا..

بينما أنا كنت أقلّد أبي بنقرة واحدة فقط على الباب..

لكل شخص طرقة أو نقرة على الباب… تعرف منها من يكون!

لست أدري ما هي المنصة التي نرقب منها ونخمن من أتى على الباب أو من يكون سواء قريب أو غريب..

كيف نعرفه من خطواته أو من خبطه على الباب أو طريقة لمس الجرس؟!

‏مذهله وجميلة وعظيمة تلكَ المنطقة التي نخمن منها أو نعرف من يكون الطارق…

وتساءلت: أهي كهربا تسري في الهوا نعرف منها…؟

أم هي ريح تحمل عبير من نعرف..؟ أم روح تسبق صاحبها تنبئ عنه قبل أن يأتي…؟

كأنما نحن أرواح تسبح في الهواء وتتقاطر وتتعارف…

وأيقنت أن…

ما وراء الأبواب كائنات وأشياء وهواجس ومشاعر مختلفة وتوقّعات وأجواء خاصة، ما وراء هذه الأبواب أشبه بالأسرار…

الذين يخبطون على الأبواب أقف عندهم لحظة خاصة أولئك الذين يعتقدون أننا نجلس خلف الباب ننتظرهم.. 

حتي عندما تزوجت وانتقلت إلى بيت بعيد؛ صار أولادي لا يكادون يسمعون مني صوت جرس الباب من رقة لمس الجرس الوراثي..

فلا أحد يسمع رنتي فاضطر أن أفتح باب الشقة بالمفتاح من ثم يتفاجؤون بي داخل الصالة… ويقولون

أنت دخلت إزاي…. ؟. وتارة (تتخض) زوجتي عندما تتفاجئ بي داخل البيت دون ضرب الجرس وكأنني عفريت دخل البيت  خلسة!

  واتعجب من خضتها وأقول: كيف للعفريت أن يختار دون شقق العمارة ويحمل نسخة من مفتاح شقتنا…؟

أو أتعجب من ظنها أني عندما دخلت محض خيال أبدو كحرامي وجد المفتاح الذي أضاعه عبد الرحمن في المدرسة العام الماضي…

الأبواب مفتَتَح يقودنا إلى دنيا خيال أو أرواح أو حتى أساطير..

ثم عدت أفكر مليًا في خبطات الباب أو قرع الجرس؛ وأمعنت أكثر في خبطات أبي على مطرقة الباب وأقتنعت أن يده الحانية كانت تتحدث عن نفسه وروحه.. مسالمًا هادئًا لا يريد إزعاجًا..

وكنت أنظر إليه وهو يمشي أو يصعد سلمًا وأقول الذي يمشي هناك …هذا…. أبي الذي يمشي ويمشي خلفه..

حقول من التجارب والنجاحات والخيبات لكنه كان يمشي.. يفهم في كل شيء حتى في البشر، لم يحتاج خمسين لغة ليفهم العالم ! 

لم أره يرهق نفسه كما أرهقها أنا كأب.. لم ينتظر أن يكتب يومياته ومشاعره كما أكتب…

فمن أين اكتسب خبطاته الرقيقة على الباب؟!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى