إبداع

«مثلث الموت» أحداث حقيقية في أماكن خيالية

«علي لفته سعيد» يكتب عن الصحافة في العراق في تسلسلها الزمني

خالد مهدي الشمري

 سرد مفعم بالحقيقة التي يعلمها الجميع في صفحات رواية «مثلث الموت» التي أجازت تاريخ سنين طويلة من عمر الصحافة في العراق وما يميز هذا التدوين أنه يحدث ولا زال بين أروقة وحواري وشوارع العراق ولم ينحسر في جهة أو مكان .

 حين أتصفح الشمول أبحث بين أسطرها عن البطل الذي جعلني الكاتب أبحث من هي الشخصية؟

وهو يسرد معطيات حقيقية تحدث وتمر بنا كون نحن من هذا البلد. لينتقل إلى مكان في كربلاء وأمسية في نادي الكتاب الذي صور الكاتب للمتلقي المكان والحضور بشكل موجز ومفصل حتى المداخلات وطريقة النقاش.

صورة كاملة للحدث في «مثلث الموت»

ثم يعطي صورة متكاملة عن حدث كبير وهو قطع الطرق والشوارع أمام المارة لأن بيت أحد المسؤولين أو أحد الشخصيات الهامة والمهمة من الدولة أو رجال الدين ليصور لنا مشاهد ما خلف السور. حتى أتوقف عند حدث بسيط كبير في وصفه وهو المحادثة بين رجل الأمن والصحفي التي نبعت عن دراية كاملة بأحاسيس ومواقف رجال الأمن وحركاتهم وموضعًا آخر وهو الولاء الذي لم يكن للوطن وهي حقيقة نراها تتلاشى اليوم تدريجيًا مع نضوج الفكر المتحرر ولمس الحقائق التي أنتجتها المواقف بعد مرور هذه المدة من الزمن.

 ثم ينتقل إلى وصف وسرد وصفي لشخصية ذلك الرجل السياسي والديني المهم التي دارت حوله الصور السردية بين الصحفيين والتي بيَّن من خلالها الكاتب ماهية الصحافة في العراق ويستمر بالوصف التاريخي لحقبة مرت بنا وهي بدايات دخول الأمريكان العراق بعد 2003 وأهم مخرجات الوضع الداخلي ووصف مكاني وزماني للشارع العراقي مما جعل الرواية تدخل التاريخ التدويني لإحداث حقيقية بحته مع شواهد.

حتى تجعلك المحادثة بين أحمد ومحرر الجريدة حينما اعترف بأن معظم التصريحات سوف تحذف لأن الجريدة حكومية والتصريحات تؤدي إلى فتنه طائفية .

أين ذهب علي لفته سعيد حينما صور سردًا جنسيًا وكأنما كان الكاتب هو الفاعل بل كنا ونحن نقرأ متواجدون في المكان فلم يترك جزءًا صغيرًا إلا وراحت كاميرته السردية تنقله بإمعان كما ربط تاريخًا آخر وسجل تاريخي بين حياة العراقيين في زمن الحزب وسيطرة الحزبيين على مقدرات العباد.

استخدام السؤال والجواب في إيصال الفكرة

يصنع الكاتب حروفًا للتاريخ بواسطة الصحفي سلام وينقل مجريات وأحداث يومية تكاد تكون سجل تاريخي بنشاط السياسيين والصحفيين وتتناغم الصفحات من الرواية بسرد موضوعي أحيانًا ليوصلنا الكاتب إلى حقيقة، وهي أنهم ليسوا سياسيين وأن العراق محتل منهم أولًا ومن جهات خارجية سمحت لهم بالتصرف بحيث أسهب الكاتب في حركات السياسي وحتى تعديل ربطة عنقه.

كما يستخدم طريقة السؤال والجواب في إيصال فكرة السياسة الدينية والأحزاب الدينية والأحزاب السياسية وكلاهما سلطة جديدة في العراق.

بدأ الكاتب مرحلة جديدة من السرد الإخباري الذي جعل من مكالمة تليفونية بداية للخوض في هذا المجال ونطلق من منطقة اسمها (اللطيفية) وهي منطقة تبعد عن بغداد مسافة قليلة تربط محافظة بابل ومحافظة بغداد ومحافظة واسط ويحدها من الجانب محافظة الأنبار.

وسط تعلقي بالسرد المفرط عن الطائفية ينقلني بشغف إلى ليلة حمراء وسيقان بيضاء وباقي تلك التفاصيل التي سال لها اللعاب، ليكون مشهد لسلام مع زوجته تخفيف لحدة ما سوف يأتي من الرواية.

ثم ينقلنا الكاتب عائدًا إلى المربع الأول وهو الأحزاب الدينية وهم يتقاتلون فيما بينهم وليس هو المهم لكن عبارة واحدة جعلت الموضوع واضح حينما يقول رصاصة واحدة

 (في الكصة) تكفي لأن يصمت لسانك إلى الأبد، وممنوعية النشر عن الخلافات الداخلية وأيضا يعود لطريقة السؤال والجواب في إيصال فكرة، لِمَ الدولة لا تمسك زمام الأمور؟ وكان الكاتب يطرح الأفكار والأجوبة كما طرح فكرة المرور وهو يستهزأ بالصحفيين ليقول: كانت أفكارهم هذه عن الصحافة في ما مضى كما ينقل حوارًا بين الصحفي والمحافظ وهي أيضًا تسجل تاريخيًا أحداث حدثت بالفعل وبتفاصيلها.

صور قصصية حقيقية

مع الصحفي منتظر ينقلنا الكاتب إلى صور قصصية والمدهش أنها حقيقية بحذافيرها عن الانفجار الذي حدث في المدينة وما جرى من أمور وبأدق التفاصيل التي ذهب معها حتى الإشاعات وتهويل بعض الأمور في نقل الخبر.

لينتقل إلى منطقة الموت أو مثلث الموت وهي منطقة اللطيفية كان هناك جسر وحيد قد دمر من قِبل الإرهابيين في حينها وأصبح كماشة نار تحصد أرواح كثيرة تصل إلى الآلاف من الضحايا .

كما أطلق مواصفات الصحفي وهي الحدس والخيال، الكفاءة والقدرة على والوصول إلى الحقيقة؛ وهذه المواصفات يجمعها الصحفي الذي يريد أن يكون ناجحًا معبرًا عن لا صحافة حقيقية في العراق وفي زمن الخوف سوى ما ندر لأن مقابلها يقدم روحه.

استخدم الكاتب فن الاستقصاء الصحفي في نقل حقائق المكان والخوف والشوارع التي تحولت إلى حفر بسبب الانفجارات وحتى أحوال الناس وطبيعتهم ومدى تعودهم على سمع أصوات الانفجارات وعدم تميزها بين المسلحين والأمريكان في حينها وكان الكاتب يستخدم الصحفي سلام في سرد الأحداث ولم يبخل الكاتب في تعريف المسلحين وانتمائهم وارتباطاتهم مع حزب البعث وصدام.

دليل تاريخي بوصف أدبي

لا بد من الوقوف عند حدث معين في الرواية؛ في أثناء التحقيق مع سلام يعطي الكاتب وصفًا دقيقًا لِما جرى وحتى المشاعر وكل حركة كانت، فأرجعت تفكيري إلى موضوع التاريخ وأنا لا زلت أقول أنها مرجع تاريخي حيث تذكرت كلام الكاتب الروائي علي لفته سعيد في إحدى الأماسي الثقافية وهو يصف التاريخ حيث قال: «أن التاريخ رجل أعور».

لم يكن نصًا مبطنًا، بل كان نصًا واضحًا وسردًا مفعمًا بالأحداث؛ استخدم الكاتب ثلاثة أسماء بصفة صحفي لتكون محاور الرواية تدور بين أسئلتهم وحواراتهم التي جعلت الرواية ذات قيمة إخبارية مكانية زمنية، لتكون دليلًا تاريخيًا ووصفًا أدبيًا مبتعدًا عن الشعر والصورة الشعرية كما تعودنا من علي لفته سعيد الروائي الشاعر.

 كما مررنا بحوارات بعيدة عن الخيال محبوكة بشكل جعلها حقيقية في أماكن هي من الخيال مع العلم بأن الرواية أحداثها حقيقية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى